يرتدي زِيًّا شبيها بالطبيعة ويحمل معداته ويخرج من بيته من الخامسة صباحًا، ليذهب إلى الموقع الذي رسمه في مخيلته مسبقًا، ينصب خيمته الصغيرة منتظرًا اللقطة المخطط لها بعد دراسته طبيعة الطائر أو الحيوان البري الذي ينوي رصده، ويبقى حبيس خيمته حتى الثانية ظهرًا، ولكن الشعور بالإنجاز ينسيه تعبه عند مراجعته الصور.
المصور وسيم دواس (34 عامًا)، من محافظة طوباس، يقول لدى تعريفه بنفسه في حديث مع صحيفة "فلسطين": "عادة لا أحب أن أتكلم عن نفسي بوصفي مصورًا، إذ أطمح أن تتحدث صوري عني وليس العكس".
اكتشف حبه التصوير منذ زمن بعيد، وكان مجرد وسيلة لتوثيق أحداث معينة، أو الحفاظ على ذكرى جميلة مع العائلة أو الأصدقاء، لكن منذ سبعة أعوام قرر أن ينقل حبه للتصوير لمستوى أعلى من مجرد توثيق، حينها أهدى نفسه أول كاميرا احترافية.
يقول: "منذ اللحظة الأولى عملت جاهدًا على تطوير نفسي في جميع مناحي التصوير وأنواعه حتى بت ضليعا بها كلها، وكل ما يتعلق بها من أنواع الكاميرات والعدسات حتى التقنيات التي يمكن استعمالها".
أحبَّ الطبيعة وبات يراها بمنظور مختلف من خلال عدسته، فأَوْلاها اهتمامًا أكثر من غيرها.
يضيف دواس: "تستهويني الطبيعة بكل تفاصيلها وشغفي بها يضاهي شغفي بالتصوير، ففي كل مرة أرى منظرًا جميلًا أو طائرًا يلهو بجناحيه بين الأغصان يخلق في داخلي رغبة عظيمة لالتقاط صور تحاكي جمال المنظر".
وكل من يتعمق في صوره يكتشف أنها ليست مجرد صورة، بل هي أكثر من ذلك، وخاصة عندما يلتقط صورة لطير ما، حيث يتابع جميع تحركاته ونظراته، ولعله أيضًا يعد أنفاسه، "وفي كل لحظة تسبق التقاط الصورة أتعايش معه من خلال عدستي بل وأتابعه لما بعدها".
يوما ما أخبره صديقه أنه بمجرد رؤية إحدى صوره التي يوثق فيها طائرًا يعكف على نسج قصة من خياله لهذا الطائر، مستشعرًا إحساسه لحظة التقاطها، في حين يشير دواس إلى أن ما أراده من التصوير هو أن يتخطى الناظر حدود الصورة.
ويحيط نفسه دائمًا بالأشخاص الذين يمنحوه الطاقة الايجابية باستمرار ويرى ذلك أحد أساسيات النجاح والاستمرار.
"نَفَس طويل"
ويوضح أنه منذ انضمامه لمجموعة الملتقى الفلسطيني للتصوير والاكتشاف وهو يشعر بفرح كبير وفخر أكبر، وفي كل مسار تنظمه المجموعة يتجدد حبه للتصوير ويزداد تعلقه به، لكونه منحه الفرصة ليتعرف إلى أناس يشاركونه اهتماماته.
شارك دواس بالعديد من المعارض، كمعرض "تواصل"، و"احكيلي عن بلدي"، و"احكيلي عن فلسطين" في تركيا، ومعرض "طيور" في بلدية جنين، وحاز المركز الثاني في مسابقة توثيق طائر العوسق المهدد في منطقة دير مار سابا، والمركز الرابع في مسابقة تصوير سوسنة فقوعة إحدى أنواع الزهور.
ويبين دواس أن تصوير الحياة البرية من أصعب أنواع التصوير لكونه يحتاج إلى صبر ونفس طويل، ويعد هذا النوع من التصوير أداة لتوثيق الهوية الفلسطينية.
المصاعب التي يواجهها في تصوير الحياة البرية سببها جيش الاحتلال الإسرائيلي لكونه يشكل عائقًا كبيرًا في أثناء بحثه عن طائر يلهو ببريته الفلسطينية، وقد احتجزه الاحتلال مرات عدة وصادر كاميراته ومعداته.
يصمت دواس ثم يتابع: "الشيء الذي أمارسه أعدّه نصف حياتي الآخر، فهو ليس مجرد هواية، وباختصار التصوير نوع من الإدمان على حب فلسطين وطبيعتها ومحاولة نقلها إلى جميع أنحاء العالم".
"فلسطين حلوة بس بدها ناس تهتم فيها"، يقول مصور الحياة البرية، لافتا إلى أن تصوير الطيور والحيوانات يتطلب سرعة بديهية عالية، ودراسة سلوك الطير قبل تصويره فيعطيه ذلك فرصة كبيرة لأخذ لقطة احترافية.
ويطمح إلى أن ينتقل من الهواية إلى الاحتراف ومن ثم للعالمية، رغم أنه لم يدرس التصوير أكاديميا، ولكن حبه للطبيعة والطيور والحياة الهادئة جعله يذهب بهذا الاتجاه لعشقه فلسطين وطبيعتها.
ويوافق اليوم العالمي للحياة البرية الثالث من مارس/ آذار، وبهذه المناسبة يطالب دواس من الجهات والجمعيات المختصة بالحياة البرية عمل نشرات توعية ضد الصيد الجائر، والمحافظة الدائمة على نظافة الطبيعة الفلسطينية، وتنظيم معارض مختصة تشمل كل شيء يخص الحياة البرية في فلسطين من حيوانات وطيور ونباتات ومواقع أثرية، وتعزيز صمود المواطن خاصة في المناطق الغنية بالتنوع الحيوي والمهددة بما يسميه الاحتلال "الضم".