فلسطين أون لاين

يعمل مع وكالة "ناسا"

بعد "هليكوبتر المريخ".. هذا طموح ابن غزة "البسيوني" في الفضاء

...
واشنطن-غزة/ هدى الدلو:

من كوكب المريخ كان البث الحي والمباشر، جلس قبالة الشاشة يشاهد ما تصوره المركبة "بيرسفيرنس"، التي أرسلت برفقة طائرة "هليكوبتر"، متابعًا بصمت وقلب ضاحك، إنه الحلم الذي تحول إلى حقيقة بعد أعوام من العمل، فقد أفسدت أزمة كورونا فرحته وفرحة فريقه بمشاهدة جماعية في احتفال بهذا الإنجاز، ولكنها فرضت مشاهدة فردية.

"شعور لا يوصف كنت أتابع الطائرة بشغف، وأنتظر تلك اللحظة منذ عامين بعد الانتهاء من عمل المشروع، وأفكر كيف سيكون شعوري؟ أين سأكون عندما تهبط الطائرة؟"، هذا ما يتحدث به لصحيفة "فلسطين" العالم الفلسطيني لؤي البسيوني (42 عامًا) من سكان قطاع غزة، ويقطن حاليًّا في ولاية كاليفورنيا.

ولد البسيوني في ألمانيا، وعاد إلى غزة وسنه خمسة أعوام، ليدرس الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارسها.

لم يكن هذا الإبداع وليد اللحظة، ففي سن العاشرة كان البسيوني مولعًا بتفكيك جهاز التلفاز وإصلاح أعطاله، ويعيد كل قطعة فيه إلى مكانها بعناية، ولعبته المفضلة اللعب بأجهزة الإرسال وتغييرها، والمذياع، وغيرها من الإلكترونيات، وينادون عليه بـ"المهندس الصغير".

وعندما أنهى الثانوية العامة حار أيدرس تخصص الهندسة الكهربائية أم ما يمليه عليه قلبه الهندسة الزراعية التي يحبها؟ فعمه كان دائمًا يقول له: "لا بد أن تدرس الهندسة الزراعية لخبرتك في هذا المجال"، ولكن كفة الهندسة الكهربائية هي التي رجحت، فخاض غمار هذا المشوار في الجامعات الأمريكية التي سافر إليها عام 1998.

وبعد حصوله على شهادة البكالوريوس توجه لدراسة الماجستير في المجال ذاته لعدم حصوله على فرصة عمل في بادئ الأمر، ثم تنقل للعمل مع شركات مختلفة ذات علاقة بالهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية، وكانت بداية بصمته في تصميمات المحركات الكهربائية.

وفي أثناء عمله مع إحدى الشركات الأمريكية المختصة بالطاقة البديلة انتقل للعمل في مجال الطائرات الكهربائية المسيرة، ففتحت له الطريق للحصول على عقد مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" في عام 2018 ليعكف هو والفريق على تصميم طائرة "هليكوبتر" ترسو على سطح المريخ.

وقد عمل مع فريق هندسي مكون من ثمانية أشخاص، إذ سابقوا الزمن لتصميم الطائرة قبل موعد الرحلة التي أعدتها "ناسا" إلى المريخ، لكونها كانت تنتظر الوقت الذي يكون فيه المريخ قريبًا من الأرض، وكان المسئول عن الهندسة الكهربائية في الفريق الخارجي، ومصمم نظام الدفع الكهربائي كالموتور وأنظمة التحكم، وهذا العمل لم يكن في يوم وليلة بل على مراحل متقطعة من ثلاثة إلى أربع أعوام، ثم تلاها عامان آخران.

ويضيف البسيوني بصوت واثق: "لأكن واضحًا، فقد كان لدي طموح أن أعمل مع وكالة ناسا، خاصة بعدما سبق لي العمل مع شركة خاصة لتصميم طائرات الهليكوبتر، ولكن هدفي الأسمى من ذلك كله السعي إلى تحسين وضع البشرية، والطاقات البديلة التي تفيدهم في المستقبل".

ويحاول أن يصف شعوره بكونه ضمن الفريق المصمم لأول طائرة ترسو على سطح كوكب آخر: "هو شعور لا يتصوره أحد، أو مجرد التخيل أنه في يوم ما سيقرأ الناس اسمك من ضمن الفريق، خاصة أن تكون من غزة، لأنه حدث نوعي للعالم وفلسطين، إذ سيمكن العلماء من دراسة طبيعة السطح دراسة دقيقة وواضحة".

وقد حصل على جائزة النجاح، لتمكنه من عمل دراسة كيفية الطيران على كوكب المريخ.

وكشفت "ناسا" الاثنين الماضي أول تسجيل صوتي من المريخ وثقته مركبة "برسفيرنس"، إضافة إلى مقطع فيديو يظهر هبوط المركبة على سطح الكوكب الأحمر، وقطعت المركبة المسافة بين الأرض والمريخ على مدى سبعة أشهر، برفقة المروحية الصغيرة "إنجينيويتي"، التي ستسهل مهام استكشاف الكوكب.

ومن المخطط أن تستغرق عملية تحليق المروحية المرافقة للمركبة في سماء المريخ 10 أيام.

تحديات

هناك تحديات واجهته لكونه مغتربًا، ولكن هذا دفعه للعمل أكثر لإثبات ذاته، خاصة في بداياته لاختلاف اللغة وطبيعة المكان، إلى جانب الأثر النفسي الناجم في البعد عن الأهل مدة طويلة، وحالة الضغط إبان نشوب عدوان على غزة، ومع ذلك يجاهد نفسه حتى لا يخذل أهله الذين يتحملون الأعباء المالية وغيرها.

ويعبر البسيوني عن فخره بعمله، فلديه إلكترونيات في المريخ، وسيعمل على تحسين الحياة على سطح الأرض كيفما يستطيع من جانب هندسي، وطموحه في المرحلة المقبلة افتتاح شركة خاصة بمجال الطيران والسيارات الكهربائية بالفضاء.

ويتابع: "أن تعمل في الفضاء هو شيء رائع، ولكن أحيانًا أفكر هل بالفعل أن هذه التجارب ستخدم البشرية أم ستكون طاقة مهدرة دون أن تفيد الكرة الأرضية، ولكن الشيء الذي تعلمته وأثر في تفكيري وشخصيتي الدهشة التي تتملكني تجاه خلق الكون؛ فنحن نعيش على الكوكب الأرضي الذي يعد جنة مقارنة بالكواكب الأخرى، بسبب المميزات الموجودة فيه المفقودة في الكواكب الأخرى".

ويوضح البسيوني أن ذلك يجعله يحترم الأرض التي يقف عليها، حيث الجو واعتدال المناخ حتى في أقصى بقاعها مقارنة بالكواكب الأخرى، ويجعلك تحمد الله أنك موجود على كوكب الأرض.

ولا يخفي سرًّا أن هذا العمل علمه الصبر، وكل شيء يمكن الحصول عليه تدريجًا كصعود درجات السلم، ويقول مازحًا: "فلا يمكن الطيران عليه إلا إذا كنت الهليكوبتر".

ولا يألو جهدًا في خدمة بلده بمختلف الطرق، ويحاول أن يعطي ثقة لشعبه -خاصة المبتدئين في المجال الهندسي- بإضاءة طريق التميز والنجاح رغم ضبابية المستقبل، فهذا يعني أن هناك إمكانات للبناء والتطوير.

ويوجه رسالة ليشجع الناس أن يحملوا الأمل في قلوبهم والإيمان بفكرتهم، ويحاولوا أن يسيروا على الطريق التي يحبون دون فقدان للأمل؛ فلا شيء مستحيل.