انقضت الأيام العشرة الأولى، وتوشك العشرة الثانية على الانتهاء من شهر رجب، أحد الأشهر الأربعة الحُرم، التي يقول الله (تعالى) فيها: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" [التوبة: 36].
وقد اعتاد المسلمون في هذا الشهر مزيدًا من التعبد والتقرب لله (عز وجل) من صيام وقيام، وهو أمر حسن، خاصة أنه ببدء شهر رجب يقترب قدوم سيد الشهور شهر رمضان المبارك شهر البركات والرحمات ومضاعفة الحسنات.
وهنا لا بد من أن ننبه أنفسنا قبل أن يدخل شهر رمضان الكريم على ضرورة بدء عهد جديد مع الله (عز وجل)، فنترك ما كنا نقترف من الذنوب والمعاصي، ونعقد العزم على توثيق الصلة بالله (تعالى) وزيادة التقرب له (سبحانه وتعالى)، وألا نؤجل ذلك إلى رمضان، بل نبدأ من الآن، حتى إذا ما جاء رمضان شهر الخير والبركة أصبح ترك الذنوب والمعاصي والتقرب لله (عز وجل) ميسورًا علينا.
ويخشى على من أجل توبته واستغفاره إلى رمضان ألا يتيسر له الأمر؛ فالإنسان بطبعه يحتاج مدة للتغيير والتدرج للانتقال من حال إلى حال، ولذلك إنني أهيب بالمسلمين جميعًا أن يجعلوا شهر رجب بوابة للعزم على التوبة والاستغفار والالتزام بالطاعات والقُربات، سواء كانوا من أهل الطاعة أم كانوا من أهل المعاصي؛ فإن كانوا من أهل الطاعة عزموا على زيادة طاعاتهم وتوثيق الصلة بربهم والعمل بالسنن والنوافل وسائر القربات.
وإن كانوا من العصاة فهم أولى بأن يعقدوا العزم على بدء صفحة جديدة مع الله (عز وجل)، وأن يتركوا كل ما يخالف شريعة الله (تعالى) ومنهجه، حتى إذا دخل شهر رمضان أقبلوا على الله (عز وجل) وهم من أولئك الذين يناديهم ربهم أن يا باغي الخير أقبل، وليس ممن يناديهم ربهم يا باغي الشر أقصر، فأي النداءين أحب إليك، أخي المسلم؟!
اليوم ونحن في شهر رجب يمكننا أن نقرر من أي الفئتين وبأي الصيغتين سينادينا ربنا (سبحانه وتعالى).
أخي المسلم، الآن نحن في رجب وبعد أيام معدودة سيأتي شعبان، فلنستعد لاستقبال شهر رمضان بنقاء قلب وجميل تقرب وطاعة لله (عز وجل)، والاجتهاد في ترك المعاصي والذنوب، عسى أن يكرمنا الله (تعالى) بأن يبلغنا شهر رمضان وهو راضٍ عنا، وأن يجعل لنا نصيبًا من بركاته ومضاعفة حسناته، وأن يكتبنا من عتقائه، اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان، اللهم أصلح لنا شأننا كله، ووفقنا، وسدد على الخير خطانا، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.