أحداث كثيرة ومهمة وقعت في شهر رجب تسلسلت حكاياتها في الانتصار الذي حققه المسلمون في غزوة تبوك، وتحرير المسجد الأقصى، وفتح باب الرحمة، وغيرها، ما يعطي مؤشرًا كبيرًا على حب الوطن والدفاع عنه، والأمر يزداد حينما يكون الوطن فلسطين فهو عقيدة ودين.
هذا الأمر يتطلب أن تُرضع الأمهات أطفالهن حب فلسطين والتطلع إلى تحرير المسجد الأقصى، ويتكاتف معهن في هذا الدور الآباء بمسك أنامل أطفالهم في رسم كامل حدود خريطة فلسطين بكل ذرة تراب فيها، فماذا تقول الشريعة الإسلامية في حال تنحى الوالدان عن هذا الدور؟
صلاح الدين الأيوبي
حينما نسترجع في ذاكرة التاريخ الإسلامي نجد أروع البطولات التي جسدها المسلمون في حب الوطن والدفاع عنه، خاصة حينما يتعلق بعقيدة المسلم، ومن هذه البطولات حكاية السلطان نجم الدين يوسف بن أيوب الذي لم يتزوج مدة طويلة؛ لأنه كان يبحث عن زوجة تشاركه في تحقيق مبتغاه، فكان يسأل الله (تعالى) أن يرزقه زوجة صالحة تأخذ بيده إلى الجنة وينجب منها صبيًّا تُحسن تربيته حتى يكون فارسًا يُعيد القدس لأحضان المسلمين، فرزقه الزوجة ذاتها التي كانت تسأل الله (تعالى) الدعاء نفسه، فرزقهما الله (تعالى) صلاح الدين الأيوبي فاتح مدينة القدس، ومحرر المسجد الأقصى.
وحينما نتأمل في الأمر نجد أن والد صلاح الدين قد أخذ بالأسباب من الدعاء والزوجة الصالحة، وتربية نجله على العمل على تحرير المسجد الأقصى، فحينما رأى والد صلاح الدين نجله يلعب مع الصبية أخذه ورفعه وقال له: "ما تزوجت أمك وما أنجبتك لكي تلعب مع الصبية، إنما لتحرّر المَسجــد الأقصـَــى"، وبعدها تركه فسقط على الأرض، فكان الأمر موجعًا، فوالده كان طويل القامة، فسأله: "آلمتك السقطة؟"، قال صلاح الدين: "آلمتني!"، قال له أبوه: "لِمَ لم تصرخ؟"، فكانت الإجابة: "ما كان لمُحــرّر الأقصى أن يصرخ"، هذه الإجابة الثمرة التي أثمرتها هذه التربية في تحرير القدس من الصليبيين.
تراب وحجارة
ورغم الغربة والبعد عن الوطن آمال جعفر (55 عامًا) كانت تحرص بشدة على أن تربط أبناءها بحب فلسطين، خاصة أن هذا الحب يرتبط بالعقيدة الصحيحة للمسلم، إذ تقول لصحيفة "فلسطين": "حينما قدمت إلى زيارة غزة حرصت أن تكون هدية أبنائي ترابًا وحجارة من أرضها الطاهرة، وسوارًا على المعصم يتزين بألوان العلم الفلسطيني".
وعن سبب طبيعة هذه الهدية تبين أن أبناءها لا يستطيعون القدوم إلى فلسطين التي زرعت حبها في أفئدتهم، فأرادت أن تحمل لهم هذه الهدية الغالية؛ حتى تتعانق أنفاسهم مع ائحة الوطن.
حماية الوطن
حب الوطن وحمايته من المصالح العامة التي حرصت عليها الشريعة الإسلامية، إذ يقول أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية د. ماهر السوسي: "حب الوطن والدفاع عنه مصلحة عامة، تعود ثمرته في تحقيق الأمن الذي هو مطلب اجتماعي وفردي، خاصة أن الأمن من النعم التي امتن بها الله (تعالى) على عباده"، مستدلًّا بقوله (عز وجل): "وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ" (قريش:4).
ويبين أن الاحتلال يستهدف أمن الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب العمل على تحقيق الأمن، والحرية، اللذين لا يتحققان إلا بدحر الاحتلال، خاصة أن عقيدة المسلمين تقتضي الجهاد في سبيل الله (تعالى)؛ فهو سنام الإسلام، وما كان الجهاد كذلك إلا لأنه يوفر للإنسان فرصة الدفاع عن وطنه وعرضه وماله، فهو فريضة محكمة لا يجوز الامتناع عنها.
ويؤكد أن الوضع في فلسطين جراء الاحتلال يجعل الجهاد فرضًا لا يجوز الامتناع عنه، والقاعدة الفقهية تقول: "ما لا يتم الواجب به فهو واجب"، وهذا يتطلب من الآباء تربية أطفالهم على حب الوطن، خاصة أن فلسطين وتحريرها من عقيدة المسلم الصحيحة، فإن تقاعسوا عن هذا الدور فهم مسؤولون عن ذلك يوم القيامة.
وفي رسالة حب لكل أب وأم: لديكما أمانة عظيمة جدًّا في أعناقكما يوم القيامة، وهي أطفالكما، تربيتهم لا تكون بالمأكل والملبس فحسب، فهذا يشترك فيه أغلب الكائنات الحية، فواجبكما أكبر بكثير من ذلك، فالجهاد في سبيل الله (تعالى) لتحرير فلسطين وتطهير القدس من أدناس الاحتلال عقيدة ودين قبل أن يكون وطنًا وطينًا، فازرعا هذه البذور في أفئدة أولادكما حتى يكونوا رجالًا أمثال صلاح الدين الأيوبي وخنساوات فلسطين.