احتدم الخلاف بين الطامعين بالثراء من حقول غاز غزة، وبين الطامحين بتوفير فرصة عمل وحياة كريمة للشعب الفلسطيني، وللخلاف جذور عميقة ترجع إلى التفرُّد بالقرار، وفرض العقوبات على أهل غزة، وقطع رواتبهم ومحاصرتهم، فالذي يجهل قواعد الديمغرافيا، وأحوال غزة المعيشية، لا يحق له الحديث عن الجغرافيا، وهو لا يعرف أن غزة تنبض بالحب والوفاء في قلب فلسطين وعروفها.
ورغم اكتشاف حقل غاز غزة قبل أكثر من عشرين عامًا، فإن العمل على الانتفاع به لم يشهد أي تحرك جِدِّي من السلطة الفلسطينية، لا في المحافل الدولية، ولا في اللقاءات العربية، ولم يواجه الاحتلال الإسرائيلي أي ضغط محرج من السلطة؛ يتمثَّل بالتهديد بوقف التنسيق الأمني مثلًا، أو إخراج مسيرات جماهرية تطالب باستفادة الشعب الفلسطيني من ثرواته الطبيعية، لقد ظل أمر حقل غاز غزة طي الصمت، حتى زار الوزير المصري طارق الملا تل أبيب ورام الله، ووقَّع مع إسرائيل اتفاقية إنشاء خط أنابيب غاز بحري إلى منشآت الإسالة في مصر، من أجل زيادة صادرات الغاز إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه، وقَّع الوزير المصري مذكرة تفاهم مع صندوق الاستثمار الفلسطيني، ومع شركة اتحاد المقاولين ccc، لتطوير حقل غاز غزة، وهذا ما أثار حفيظة الشعب الفلسطيني الذي يريد معرفة مصير ثروته الطبيعية، وكيف وضعت مقدرات الشعب بين يدي شركتين بلا رقيب ولا حسيب ولا مرجعية قانونية، ولا سيما أن حقل غاز "مارين" يبعد عن شواطئ غزة نحو 30 كيلومترًا، وتشير التقديرات إلى أنه يضم حوالي 1,4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.
حقل غاز غزة جدير بالاهتمام والمتابعة والمراقبة من كل فئات الشعب الفلسطيني، ولا يجب أن يُسلِّم الشعب مقدراته لمجموعة من الشركات التي تعوَّدت التكسبَ والنهبَ، وقد قدَّرت بعض الدراسات أن العائد المالي لحقل غاز غزة بحوالي 4 مليار دولار سنويًّا، ولمدة 15 عامًا.
فأين ستذهب عائدات حقل غزة للغاز؟ ومن هم الشركاء الذين سيقطفون ثمرة الحقل؟
1ـ صندوق الاستثمار الفلسطيني (مالك الغاز) وله حصة 17.5% فقط.
2- شركة BG البريطانية (مستخرج الغاز) ولها 55%.
3- شركة CCC اتحاد المقاولين ولها حصة 27.5%.
وهنا يأتي السؤال: ما شأن شركة اتحاد المقاولين العرب بحقل غاز غزة؟ ولماذا يأخذ أصحاب الشركة سعيد خوري وسامر خوري وشركاؤهم كل هذه النسبة من الأرباح؟ ثم؛ هل أثبت صندوق الاستثمار الذي يرأسه السيد محمد مصطفى كفاءته، وسلامة مساره المالي، طوال السنوات الماضية، فكيف توكل هذه المهمة لصندوق أبعد ما يكون عن الشفافية والمراقبة والمتابعة، فهذا ليس حقل غاز، وإنما حقل أموال ستسيل إلى حساب أفراد وشركات ومؤسسات أبعد ما تكون عن مصالح الشعب الفلسطيني، ما لم تخضع للمراقبة والمحاسبة الدقيقة.
لقد تأخر الحديث عن حقل غاز غزة كل تلك السنين، حتى جاءت الشركة المصرية لتطوير حقل غاز غزة قبل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وكأن في ذلك رشوة انتخابية، يجب التنبه لها، والسعي لإتمام المصالحة، واستكمال الانتخابات التشريعية، ليتم تشكيل حكومة وطنية واحدة، تشارك فيها كل القوى السياسية، ولها كامل الصلاحية في الإشراف على حقل غاز غزة، وما دون ذلك، فلا يحق لجهة متفردة بالقرار أن تتحدث عن تطوير حقل غاز غزة، فالغاز ملك للوطن، وعليه فيجب أن يكون القرار السياسي والمالي ملك للشعب الذي يمتلك الوطن.
ملحوظة: محمود الهباش يطالب موسى أبو مرزوق بقراءة الجغرافيا، لأن غزة جزء من فلسطين، وأنا أطالب الهباش بقراءة الديمغرافيا، فأهل غزة جزء من شعب فلسطين أيضًا، فلا يحق لكم محاصرتهم، ومعاقبتهم، وقطع رواتبهم، والتسلط عليهم!
غاز بحر غزة من حق فقراء فلسطين، وليس من حق أثرياء المقاطعة الفاسدين!