في مشهد مؤلم تناقلته وسائل الإعلام، هدمت جرافات الاحتلال منزلاً بقرية العيسوية الواقعة في الشمال الشرقي من القدس المحتلة، في عقوبة لساكنيه على عمل أحد أبنائها حارسا للمسجد الأقصى، وتصديه الدائم لاقتحامات المستوطنين، فما كان من الاحتلال إلا أن ابتزه وذويه بين عمله في "الأقصى" أو هدم بيته.
وهدم جيش الاحتلال منزل المقدسي الحارس في المسجد الأقصى فادي عليان، ليُلقي بسبعة عشر فرداً في العراء.
وبصوت متقطع أجاب فادي عليان (34 عاماً) عن سؤال "فلسطين" بشأن سبب هدم الاحتلال للمنزل: "السبب سياسي، وهو عملي حارسًا للمسجد الأقصى، وأنا أعمل هناك منذ سبع سنوات".
ويقع منزل عليان ضمن المنطقة المسموح بالبناء فيها وفقاً للمخططات الهيكلية الإسرائيلية، لكن عمله في "الأقصى" أزعج سلطات الاحتلال كثيراً فهددته مراراً بهدم المنزل إذا لم يترك الحراسة.
والمنزل المكون من أربع شقق بنته العائلة قبل قرابة اثني عشر عامًا بعد سنوات طويلة من السكن في منزل مستأجر، ويُؤوي والديه وأشقاءه.
ويقول عليان: "يسكن المنزل 17 شخصًا، ومنذ ثلاثة أشهر ازدادت وتيرة تهديدات الاحتلال لي بترك العمل أو هدم المنزل، وقد لجأنا للمحاكم الإسرائيلية ولكن دون فائدة".
وسبق أن أبعدت سلطات الاحتلال في العام الماضي الحارس عليان عن الأقصى مدة ستة أشهر، وذلك بعد اعتقاله لأسبوع بسبب اعتراضه على تصرفات الطلاب اليهود "غير اللائقة" في باحات المسجد لتكون المرة الثالثة التي يبعد فيها عن المسجد بحصيلة إبعاد قاربت العامين، في حين اعتقل عدة مرات وقضى في سجون الاحتلال أربع سنوات.
ولم يستطع عليان إكمال الحديث بسبب صعوبة الأوضاع حوله، حيث وقعت مواجهات بين جيش الاحتلال والمواطنين المقدسيين.
وأفاد ابن خالته وجاره محمد عوض بأن عائلة عليان أصبحت بلا مأوى وتعيش في العراء بعد هدم منزلها، قائلاً: "حسبي الله ونعم الوكيل، لقد بنوا البيت بصعوبة بسبب إجراءات الاحتلال المعقدة، وفي الثلاث سنوات الأخيرة زاد الضغط عليهم بسبب عمل فادي في الأقصى".
ويضيف: "استدعوا العائلة مراراً طالبين منهم إجبار فادي على ترك عمله، وجاء ضباط المخابرات إليهم مرارًا حاملين الطلب ذاته مقابل عدم هدم البيت لكنهم رفضوا، مؤكدين أن بيتهم ليس أغلى من دماء الشهداء".
ويشير عوض إلى أن الاحتلال اعتقل فادي مراراً وفي كل مرة يكرر عليه الطلب ذاته ولكنه كان يرفض، "فالهدم أمر سياسي لأن فادي كان له دور بارز في تعطيل اقتحامات المستوطنين واعتراض الحاخام المتطرف "ايهودا غليك".
وكان لجوء العائلة للمحاكم الإسرائيلية أمرا روتينيا لم يُرجَ منه خير، فجميع دوائر الاحتلال من بلديتها في القدس والمحاكم متفقة على تضييق الخناق على الفلسطينيين وتهجيرهم من القدس ومحيطها.
وعلى الرغم من أن الاحتلال كان قد أبلغ وجهاء العيسوية بأنه لن يهدم أي منزل في شرق القدس قبيل عام 2023 م فإنه فاجأ عائلة عليان بإبلاغه الوجهاء السبت الماضي بأنه سيهدم المنزل، مخيرًا العائلة بين هدم المنزل بنفسها أو تحمل تكاليف الهدم التي ستفرضها عليهم سلطات الاحتلال، فاختاروا الخيار الثاني.
وتداعى أهالي العيسوية في اليوم ذاته ليساعدوا عائلة عليان على إخلاء ممتلكاتها على الرغم من الحواجز التي نصبتها قوات الاحتلال لمنعهم من الوصول. وفي صبيحة يوم أمس تجمع نحو 800 شخص وشهدوا عملية الهدم، في حين توافد الآلاف بعدها للتضامن، الأمر الذي عدته عائلة عليان "وسام شرف"، بحسب عوض.
وتطور الأمر لحدوث مواجهات بين الأهالي وجيش الاحتلال بعد أن رفع الأهالي علم فلسطين على ركام المنزل.
ويقول عوض: "الله وحده يعلم كمية الديون التي لم يسددوها حتى الآن ثمنًا لتكلفة بناء المنزل، وهم وضعوا أغراضهم في "كونتينر" بجانب المنزل، وسيبنون خيمة ليقيموا فيها بجانب ركام منزلهم، وتضامن أهل القدس معنا رفَعَ من معنوياتهم كثيرًا".
وأضاف: "لسان حال العائلة يقول إن المنزل ليس أغلى من الأقصى، ونحن مستعدون للتضحية بالمال والأبناء لأجل القدس، وعلى الرغم من صعوبة الحصول على منزل ثانٍ في القدس بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتضييقات الاحتلال فإنهم لن يتخلوا عن ذرة من ذراتها وسيبقون بجانب ركام منزلهم".