كل المدافعين عن القانون الأساسي بصفته المصدر والمشرّع الرئيس للحريات وصيانتها، وضد تجاهله أو تهميشه لحساب المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس محمود عباس بشأن تعزيز الحريات العامة في "أراضي دولة فلسطين"، هم على صواب، لكن قد تبدو الأمور مختلفة هذه المرّة، ومن البديهي معها السؤال: ماذا اختلف؟
ماذا كان يمنع "أبو مازن" من احترام القانون الأساسي قبل إصدار مرسوم الحريات والتزام مضامينه؟ وهل سيمتنع بعد المرسوم؟ التقدير أنه سيلتزم ظاهريًا لأسباب لها علاقة بأن الإقليم هذه المرة شريك في الانتخابات وليس وسيطًا، بعكس السابق، وهنا يمكن القول إن المرسوم كان أقوى من القانون وأكثر اعتبارًا على المستوى السياسي لدى "أبو مازن"، وهذا انعكاس طبيعي لبيئة العشوائيات السياسية، التي يصبح مقبولًا فيها "نُص البلا ولا البلا كله".
يعد المرسوم إنجازا يُحسب للحالة الوطنية والفصائل، التي ضيقت كل الخيارات أمام "أبو مازن" لكي يصدر المرسوم الذي يكفّ يده، ويلزمه احترام القانون والنظام، واحترام الانتماء السياسي ولو معنويًا، وتثبت له أن الانتخابات ليست على مقاس أحد، كما أنها بذلك تدافع عن حقها في حرية العمل السياسي بأي طريقة كانت، ما فعلته الفصائل بالمرسوم هي أنها لم تحمِ كوادرها في الضفة فقط بل تحمي أولاً أبناء فتح منه.
وعلى الرغم من ذلك نعرف أنه لا قيمة للحديث عن احترام القوانين أو مجرّد التذكير بها، ولا يبدو مقبولًا هذا الطلب من رئيس يعد نفسه في موقع القانون وبديلًا عنه، ويعرف أن مقدّمات احترام القانون تبدأ بأن يجلس في بيته.
يجب أن نطمئن أنه في حالتي القانون أو المراسيم، لن ترى الحريات النور على إطلاقه في الضفة الغربية، وقد لا تطول، لأن هذا المفهوم يعني معاداة السلطة، وكل ما سيجري هو زيادة مهام ونشاط أجهزة الأمن الإسرائيلية في الضفة، وعودة قوية لسياسة "الباب الدوّار"، ولن يعني تمامًا تأجيل الاعتقالات السياسية.
وهذا ما يمكن ملاحظته من اليوم التالي لإصدار مرسوم الحريات، بحملة الاعتقالات التي تشنّها قوات الاحتلال، طالت قيادات في حركة حماس، التي عدت أنها "تهدف لمحاصرة نتائج الانتخابات قبل حدوثها".
محمود الكعبي مثلًا، جريح انتفاضة سابق من مدينة نابلس شمالي الضفة، اعتدى عليه ضباط وعناصر من جهاز الأمن الوقائي بالإهانة القاسية لمجرد منشور كتبه على فيسبوك أظهر فيه دعمه للأسير مروان البرغوثي في الانتخابات، بما يعني أن "أبو مازن" بدأ في تنفيذ تهديداته التي أطلقها داخل المجلس الثوري لفتح، وأثبت أنه رئيس لا تحدّه حتى المراسيم.
هذه الترتيبات التي سيكون بطلها التنسيق الأمني، تؤكد صحة التقديرات التي ترجّح أن تكون الضفة الغربية الكتلة التصويتية الأكبر ضد السلطة وفسادها، لذا فهي تدرك أن حرية العمل السياسي بالضفة لن تكون في مصلحتها؛ لأن الحرية تعني الاختيار، وعند المفاضلة لن يتفوّق برنامج الاستسلام، لذلك لا توجد حريات في الضفة، بل مرسوم لها فقط.