جاهل من ينكر على حركة حماس تقديمها جملة من التنازلات في حوارات القاهرة، وما قبلها، تنازلات تمثلت بملف الموظفين، والمحكمة الدستورية، والموافقة على الانتخابات بالتتالي، وتقديم رسالة خطية من إسماعيل هنية، ومن ثم انتظار المرسوم الرئاسي في أكثر من مسألة، وغير ذلك من تفاصيل بات يعرفها الجميع.
قدمت حركة حماس التنازلات بهدف الخروج من هذه الحالة السياسية الفلسطينية المزرية، التي لا تسر صديقا ولا تغيظ عدوا، فبقاء الحال على ما هي عليه يعني مواصلة التفرد بالقرار السياسي والإداري، وبقاء الانقسام، وإذا كان التفرد يخدم مجموعة معينة من القادة الفلسطينيين الذين أعجبتهم هذه الامتيازات، وأسعدهم تفردهم في اتخاذ القرارات دون مساءلة أو مراجعة، فإن حالة الانقسام صارت مشجباً تعلق عليه القيادة فشلها السياسي، ومتراساً يختبئ خلفه جيش الفاسدين العابثين بمصير الوطن، وكل ما سبق يعني المزيد من التمزق والضياع للقضية الوطنية الفلسطينية، والمزيد من الاطمئنان والراحة لدولة الاحتلال، التي ستواصل تحكمها بمخرجات الواقع السياسي على الساحة الفلسطينية، وفي معظم الساحات العربية.
هذا المشهد السياسي الفلسطيني المتهالك والمستفز لكل المخلصين للوطن، شكل حافزاً للتحرك بهدف التغيير، وفرض معادلة جديدة؛ تقوم على الوحدة والشراكة مهما كلف ذلك من تنازلات، وهذا ما تحقق في الأشهر الأخيرة، بعد سلسلة من لقاءات الأمناء العامين، ومن اللقاءات الثنائية، التي توجتها حوارات القاهرة، والبيان الصادر عنها، الذي اعتمد بيان الأمناء العامين برنامجاً سياسياً، واختار الشراكة الوطنية طريقاً لإنهاء الانقسام.
وهنا لا بد من التأكيد أن التنازلات التي قدمتها حركة حماس لإنجاح المصالحة لا تعكس حالة من الضعف والخوف، كما يزعم البعض، فالمعطيات على الأرض تشير إلى تحسن الأوضاع المعيشية والحياتية في قطاع غزة، وإن لم تبلغ المطلوب، فدولة قطر قدمت لحماس المساعدات المالية التي تمكنها من الوقوف على قدمين من استقرار، ومشروع الكهرباء الذي يشتغل عليه المندوب القطري، ووافق عليه الاحتلال، يبشر غزة بأحوال اقتصادية أفضل، والتسهيلات المصرية على المعابر، وإدخال البضائع تشير إلى أن أيام غزة القادمة، التي ستكون أفضل، وطمأنة قائد حركة حماس في غزة للمخابرات المصرية بأن المقاومة قادرة على قصف كل جزء من أرض فلسطين المغتصبة بعدد 500 صاروخ كل 5 دقائق، هذا الحديث يعكس الاطمئنان الأمني، والقدرة على ردع الأعداء، وفي كل ما سبق من مشهد ميداني تأكيد أن ما قدمته حركة حماس من تنازلات كان يهدف إلى الخروج بالحالة الفلسطينية العامة من الانقسام والجمود السياسي وضعف الحال إلى رحابة الفعل الجماعي والتأثير الإيجابي.
فهل ستنجح فكرة المصالحة والتوجه إلى صناديق الاقتراع بسلاسة وأمان؟ هل يتواصل مشروع التوافق الوطني الفلسطيني؟ الجواب يكمن في التطورات التنظيمية لحركة فتح، وانعكاسها على مرسوم الانتخابات، والجواب ينتظر حوارات القاهرة في نهاية شهر مارس القادم، الذي يخبئ مقومات النجاح ومبررات الفشل.