حراك سياسي ودبلوماسي كبير تشهده المنطقة هذه الأيام مع تصاعد احتمالات إجراء الانتخابات الفلسطينية في المدة المقبلة، حيث تسعى العديد من الجهات لرسم الخطوط السياسية الفلسطينية للمرحلة المقبلة من بوابة الانتخابات.
العديد من خيوط هذا الحراك تمتد لتصل إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، هذه الدولة التي أضحت حليفًا داعمًا لدولة الاحتلال الصهيوني، وعقدت معها عشرات الاتفاقيات الأمنية والتجارية التطبيعية التي ضربت بعرض الحائط المبادرة العربية للسلام، التي مثَّلت الحد الأدنى من الإجماع العربي، وتجاهلت الحقوق الفلسطينية والعربية التي كفلتها القوانين والمواثيق الأممية، وأكدتها عشرات القرارات لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
فالزيارة التي قام بها مديرا المخابرات المصرية والأردنية إلى رام الله في السادس عشر من يناير الماضي، التي جاءت للضغط على عباس بهدف إتمام المصالحة مع القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، وتوحيد حركة فتح في مواجهة حماس في الانتخابات المقبلة، جاءت بعد يوم واحد فقط من زيارة الملك الأردني عبد الله لأبو ظبي ولقائه الشيخ محمد بن زايد، كما أن هذا الحراك السياسي العاجل ليس بمنأى عن زيارة قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى المملكة الأردنية في اليوم التالي لزيارة مديري المخابرات إلى رام الله.
هذا الحراك يؤكد وجود اتصالات عربية ساخنة تقودها أبو ظبي لإعادة ترتيب المشهد الفلسطيني في المرحلة المقبلة، بما يضمن عدم تكرار فوز حركة حماس في الانتخابات المقبلة، وهو الأمر الذي قد يشكل ضربة لجهود أبو ظبي في استمرار وتوسيع التطبيع مع كيان الاحتلال.
الحراك الإماراتي لا يستهدف إقصاء تيار المقاومة وحركة حماس فقط من المشهد الفلسطيني، بل يأتي لإعادة فرض محمد دحلان المستشار الأمني لولي عهد أبو ظبي، ليكون الوريث الشرعي لمحمود عباس في قيادة حركة فتح، ورئيسًا مُقبلًا للسلطة الفلسطينية ليقود المشهد الفلسطيني نحو تحقيق رؤية أبو ظبي التي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية والتعايش في ظل واقع تتبوأ فيه دولة الاحتلال قيادة الشرق الأوسط الجديد.
التصريح الذي أدلى به جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح قبل أيام، وأعلن فيه رفض الحركة محاولات بعض الدول "المُهروِلة" للتدخل في مسار الحوار الفلسطيني، يؤكد مساعي دولة الإمارات للتأثير في الانتخابات المقبلة، وتجيير المشهد الفلسطيني لصالح تيار التطبيع العربي، وربما يعزز ذلك المساعدات الإماراتية المكثفة لتيار الإصلاح الذي يقوده محمد دحلان في الآونة الأخيرة، التي تجد في الوضع الإنساني المتردي في غزة مدخلًا للتأثير في صوت الناخب الفلسطيني، حيث وصلت مساعدات إماراتية إلى غزة خلال الأسابيع الماضية بالتنسيق مع تيار دحلان، كما نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية مطلع فبراير الحالي، ضخَّ دحلان الذي يقطن بالإمارات، دفعات مالية في محافظات غزة ومدينة القدس المحتلة ضمن خطط الرجل للمشاركة في الانتخابات المقبلة، وقبل ساعات من نشر هذا المقال، أعلن دحلان أيضًا منحة إماراتية تشمل عشرين ألف جرعة من اللقاح الروسي سبوتنيك V المضاد لفيروس كورونا، ستصل إلى غزة في الأيام المقبلة، مُقَدِّمًا الوعود بالعمل على معالجة كل مشكلات الحياة اليومية في غزة.
المساعي الإماراتية للتأثير في الانتخابات الفلسطينية لم تتوقف عند الضغوطات السياسية على عباس للقبول بعودة محمد دحلان إلى صفوف حركة فتح، أو تقديم المساعدات الإنسانية بواسطة تياره إلى مواطني غزة، بل تعدّتها إلى المشاركة المباشرة في تشكيل قوائم انتخابية فلسطينية لخوض الانتخابات التشريعية المقبلة، من خلال تشكيل قائمة انتخابية يقودها مسؤول ملف القدس السابق سري نسيبة تحت اسم "القدس أولا"، وهو الأمر الذي حذَّرت منه مؤسسة القدس الدولية في بيان أصدرته قبل أيام، مشيرة إلى أن جهود الإمارات تأتي خدمة للاحتلال، وتُسوَّق تلك القائمة الانتخابية بادّعاءات وطنية تتعلق بتهميش المدينة من قبل السلطة الفلسطينية، منبّهة إلى أنها تهدف إلى تبرير الحاجة إلى تشكيل مرجعية موحدة لمدينة القدس، كما أشارت مؤسسة القدس إلى أن نسيبة الذي وقّع وثيقة "نسيبة- أيالون" الشهيرة عام 2002م في ذروة انتفاضة الأقصى الثانية، التي أقر فيها بالقدس عاصمة لدولتين، وهو أحد مؤسسي نهج أوسلو، كان قد تلقى سابقًا دعمًا إماراتيًّا من صندوق أبو ظبي للتنمية، وعمل على ضمان تبعية المؤسسات الأهلية المقدسية للممول الإماراتي.
ويبقى التساؤل الكبير، هل ستنجح الأموال الإماراتية في إعادة رسم المشهد الفلسطيني في المرحلة المقبلة بما يضمن ولاء الفلسطينيين لمن تجاهل حقوقهم، وهرول للتطبيع مع من قتل أبناءهم واحتل أرضهم؟ هذا ما ستجيب عنه نتائج الانتخابات الفلسطينية المقبلة.