فلسطين أون لاين

رجب فرصة لترتيب حياتك فالأجور مضاعفة

...
غزة- ريما عبد القادر:

أقبل رجب شهر البذر الذي يُشمر به المسلم عن ساعديه حتى يستعيد نشاطه فهو مُقبل على موسم الري في شعبان، ويأتي بعده موسم الحصاد حيث الثمار اليانعة من خيرات الأجور التي يجنيها في رمضان، فهذه حال النفس الطيبة المقبلة على الطاعات في هذه الأزمنة التي تُعظم فيها الأجور، وتُحذر في الوقت ذاته من ارتكاب المعاصي فإن الذنوب فيها تُعظم.

لكن البعض يتعامل مع رجب بطريقة مُبتدعة من العبادات لم تخصص لهذا الشهر، مثل صلاة (الرغائب)، وغيرها من العبادات المخصوصة التي لم تثبت صحتها، فهل يجوز في أحكام الشريعة الإسلامية ابتداع عبادات وتخصيصها في شهر رجب؟

شهر معظم

يقول الله تبارك وتعالى:" إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ"(التوبة:36)، الأمر الذي يُشير إلى عظمة الأشهر الحُرم، التي منها شهر رجب، إذ يقول عميد كلية الدعوة الإسلامية د.شكري الطويل: "رجب شهر عظيم عظمه الله تعالى في كتابه العزيز وجعلهُ من الأشهر الحُرم، والمسلم يعظم ما عظمه الله سبحانه وتعالى".

ويُبين أن هذا يُشير إلى أن شهر رجب من الأزمنة الشريفة التي يُضاعف الله تعالى بها أجور الأعمال الصالحة.

وكما تُعظم فيه الطاعات أيضًا تُعظم فيه الذنوب إذ يوضح الطويل، أن الآية الكريمة أشارت إلى أمر عظيم في قوله تعالى: "فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ"، وظلم النفس يأتي من ارتكاب المعاصي، الأمر الذي يتطلب من المسلم الحذر من ارتكاب المُنكرات والذنوب خاصة في هذا الزمن الشريف فإن الإثم يُعظم في هذا الشهر، ويُعظم خطرها.

ويقول الفقيه ذو النون المصري رحمه الله: "رجب لترك الآفات، وشعبان لاستعمال الطاعات، ورمضان لانتظار الكرامات، فمن لم يترك الآفات، ولم يستعمل الطاعات، ولم ينتظر الكرامات، فهو من أهل الترهات".

الزرع والحصاد

ويرى السلف الصالح أن رجب هو شهر الزراعة، إذ يقول الفقيه ثوبان إبراهيم رحمه الله: "رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي، ورمضان شهر الحصاد، وكل يحصد ما زرع، ويُجزى ما صنع، ومن ضيع الزراعة ندم يوم حصاده، وأخلف ظنه مع سوء معاده".

ويعلق الطويل على ذلك بأن رجب هو شهر تشمير المسلم عن ساعديه، لزراعة الأعمال الصالحات، لذلك كان السلف الصالح يستحبون أن ينشغل فيه المسلم في طاعة الله تعالى فسبحانه يُعظم الأجور في هذا الزمن الشريف.

ويُحث المسلم على الطاعات من صلاة النوافل، وقيام الليل، وقراءة القرآن، وصيام يومي الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر فهذا كله سيعمل على تنشيط المسلم واستعداده القلبي، والنفسي، والبدني، للسقي وهو شهر شعبان، وللحصاد والاستعداد في استقبال شهر رمضان المبارك، فكل العبادات التي ذُكرت قد ثبتت مشروعيتها، وهي لا تختص بشهر رجب فحسب؛ بل كل الشهور، لكن رجب من الشهور التي يُعظم فيها الأجر.

بعيدًا عن البدع

وبعض المسلمين ينتظرون شهر رجب بفارغ الصبر حتى يؤدوا صلاة يزعمون أنها تسمى (صلاة الرغائب) فهي مُخصصة في هذا الشهر في نظرهم، عن ذلك يعلق الطويل قائلًا:" الأمر يستدعي أن نشير إلى أمر مُهم جدًا أنه لم يُثبت عن هذا الشهر أي حديث يحث على طاعة مخصوصة، لأنها في رجب".

ويتابع: "أما العبادات والنوافل والطاعات شأن رجب فيها كشأن شعبان وغيرها أي كل ما يفعله بعض العوام من تخصيص شهر رجب بصيام معين أو عبادة مخصوصة، لأنه فقط في رجب، هذا الأمر لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يُعتبر بدعة".

ويستدل بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ",

ويؤكد في قوله: "الأصل في العبادات أن تكون توقيفية- أي يُتبع فيها الكتاب والسنة، فلم يجعل الله تعالى للعقول فيها مجالاً، وإنها ليست محطة لاجتهاد أحد من العلماء- وبذلك نعبد الله عز وجل على هدي النبي صلى الله عليه وسلم".

وفيما يتعلق بالأحاديث التي يتداولها عامة المسلمين بتخصيص عبادات معينة في رجب، يُبين الطويل أنها أحاديث موضوعة أو ضعيفة ضعفًا شديدًا لا تصلح أن يحتج بها على أي عبادة من العبادات.

حافظ على فرضك

والبعض يُفرّطون في قيام الفرائض وأهمها الصلاة، وينتظرون رمضان لأداء الصلاة فبماذا تُرشدهم؟ يقول الطويل: "إن الله تعالى بسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) طلب منا فرائض، هذه الفرائض لا يجوز أن نتركها لا في رجب ولا في شعبان ولا أن نجعلها خاصة في رمضان فقط، فهي يجب أن تؤدى ما دام الإنسان فيه عرق ينبض، وأن يحرص أشد الحرص على قيامها وخاصة الصلاة فهي أول ما يُسأل عنها المسلم يوم القيامة".

وهمس في مسامع كل من لا يقيم الصلاة، وينتظر رمضان: "الإنسان لا يعلم هل يبلغ رمضان أو لا، فعلى المسلم أن يكون دائمًا جاهزًا للقاء الله تعالى، وهذه فرائض لا يجوز التهاون فيها، والصلاة عمودها".

رجب فرصة لك لتُعيد ترتيب حياتك فالأجور فيها مضاعفة، لا تُضيع الفرصة عليك ما دام النبض في قلبك، أقبل على طاعة الله تعالى، لا تنتظر رمضان، فقد تغادر أنفاسك جسدك قبله بكثير، لا تفكر كثيرًا شمر عن ساعديك، وتوضأ وطهر قلبك، وأقم صلاتك.