لم تمنع برودة الأجواء وما رافقها من أمطار غزيرة ورياح عاتية يتأثر بها قطاع غزة منذ مساء أول من أمس، أهالي الشهداء من مواصلة الاعتصام أمام مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير ومقرها غزة.
وأصر الأهالي على التواجد داخل خيمة الاعتصام المقامة منذ بضعة أسابيع، رغم أجواء البرد، تعبيرًا عن استمرار معاناتهم وقد التحفوا أكفانًا بيضاء، ولمطالبة السلطة في رام الله بصرف المخصصات المالية لأسر الشهداء.
ورفع الأهالي المشاركين، من أباء وأمهات وزوجات وأبناء، لافتات مخطوط عليها شعارات "بكفي يا ريس 7 سنين.. لماذا قطعتكم المخصصات المالية؟"، وهم يرتدون أكفانًا بيضاء في مشهد لم يتكرر من قبل، تعبيرًا عن احتجاجهم واستمرارًا لمعاناتهم من جراء عدم صرف مخصصاتهم التي كفلها القانون الفلسطيني.
عبد الكريم بلاطة (56 عامًا) قرر الليلة قبل الفائتة النوم في خيمة الاعتصام، كخطوة احتجاجية متحديًا أضواء البرق وأصوات الرعد المرافقة للمنخفض.
وقال بلاطة لـ"فلسطين"، الذي فقد 11 من أفراد عائلته خلال عدوان الاحتلال على غزة صيف 2014، منهم أبناء وبنات له، إنه منذ استشهادهم لم يتلقَ المخصصات المالية التي يكفلها قانون منظمة التحرير.
وأكد أنه لن يتوقف عن المطالبة بحقوق أفراد عائلته الذين قضوا بقصف جيش الاحتلال بيتهم في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، ولذلك سيواصل الاعتصام داخل الخيمة بغزة، مع أهالي الشهداء.
وغالبية المشاركين في فعاليات خيمة الاعتصام من أهالي الشهداء، قضى أبناؤهم خلال عدوان جيش الاحتلال طيلة 51 يومًا، وراح ضحيته أكثر من 2200 شهيد، وهم يأتون من محافظات القطاع للمطالبة بصرف المخصصات المالية لعوائل وأسر الشهداء.
وينتظم كمال المصري (55 عامًا) في الحضور إلى الاعتصام الأسبوعي لأهالي الشهداء أمام مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى، منذ 7 سنوات مضت على استشهاد نجليه كمال (24 عامًا) ومحمد (25 عامًا)، بفارق أسبوع بين الاثنين خلال عدوان 2014.
وقال المصري لـ"فلسطين": لم نترك جهة إلا طرقنا بابها، لكن لم يستجِب لنا أحد، ولم يلبِّ أحد مطالبنا بصرف المخصصات المالية لأبنائنا.
وجاءت نظمية أبو عاصي والدة الشهيد صدام أبو عاصي، من منطقة الزنة شرق خان يونس، جنوبًا، لمشاركة أهالي الشهداء في اعتصامهم داخل الخيمة احتجاجًا على عدم صرف المخصصات المالية.
وتساءلت عن الأسباب التي تدفع السلطة إلى عدم صرف مخصصات أهالي الشهداء، بعدما فقدوا أبناءهم في إثر جرائم الاحتلال، مطالبة بضرورة صرفها في ظل تردي الوضع المادي لأسر وعوائل الشهداء التي طالها عدوان جيش الاحتلال وتضررت بنيرانه.
أما فاطمة رحيم، من سكان حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، فبدا الحزن واضحًا على معالمها وهي تجلس بين زوجات وأمهات الشهداء.
وفاطمة زوجة الشهيد مصطفى رحيم، الذي قضى خلال العدوان على غزة 2009، تاركًا خلفه ولدين وبنتًا واحدة، يارا 15 عامًا، زهدي 14 عامًا، جاسر 31 عامًا.
وقالت لـ"فلسطين": إن السلطة لم تصرف لنا مخصصات مالية بعد استشهاد زوجي، إلا بعد مرور أكثر من 5 سنوات، وتحديدًا في 2016، واستمر حتى يناير 2019، ومنذ ذلك الحين قطع المخصص المالي.
وذكرت أنها لم تتلقَ أي مساعدات من أي طرف كان، سوى ما يصلها من كفالات للأيتام، لكنها متقطعة وغير منتظمة، وقد ترك كل ذلك تداعيات صعبة على حالها وأبنائها، خاصة أنها تسكن وأبناءها بيتًا بالإيجار.
ووفق معطيات حصلت عليها "فلسطين"، فإن 1943 عائلة شهيد لم تتلقَ مخصصاتها المالية منذ عدوان 2014، بينما لم تتلقَ أيضًا 1170 عائلة منذ العدوان على غزة سنتَي 2008، و2012.
وتقطع السلطة المخصصات المالية عن 3170 عائلة؛ أبناؤهم إما شهداء وإما جرحى وإما أسرى، وذلك ضمن سلسلة إجراءات عقابية فرضتها على غزة في إبريل/ نيسان 2017، وتسببت بتداعيات خطِرة على الأوضاع الإنسانية.
من جهته، أكد المتحدث باسم اللجنة الوطنية لأهالي الشهداء والجرحى علاء البراوي، أن "الشهداء هم الجرح النازف في قلب فلسطين، وقد ضحوا في سبيل الوطن وشعبه"، مخاطبًا قيادة الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال بضرورة "أن يكون لهم دور في حل قضية مخصصات أهالي الشهداء".
وقال البراوي لـ"فلسطين": "من هنا نرسل رسائلنا إلى قيادة الحركة الأسيرة، نطالبهم بالتحرك "ما دام أن القيادة الموجودة في مكاتبها لم تحرك ساكنًا، فإننا نلجأ إليكم اليوم".
وأكد أن تواجد أهالي الشهداء رغم أجواء البرد "يعكس إصرارهم على تحصيل حقهم في تقاضي مخصصاتهم المالية وهذا ليس منة من أحد على أسر الشهداء الذين قدم أبناؤهم الدماء، ولن نترك هذا المكان رغم برودة الأجواء إلا بعد أن يستلم أهالي الشهداء حقوقهم".
وقال: إن "أكثر من 400 أسرة شهيد زاروا مقر لجنة الانتخابات المركزية بغزة، لإيصال رسالة للقيادة أننا نرحب بالانتخابات لكن لن نكون معكم في صندوق الاقتراع ما دمتم تتركون من قدموا دماء أبنائهم رخيصة، يفترشون الشوارع للمطالبة بحقوقهم.
وأضاف: إن "الجوع نخر أجساد أمهات وأطفال الشهداء ولا أحد ينظر إليهم"، مشيرًا إلى أنهم لم يتركوا جهة رسمية أو فصائلية إلا وطرقوا أبوابها، "وأطلعنا الجميع على مشاكل أهالي الشهداء، ولم تُقدَّم لنا حلول من أي جهة".