منذ 21 عامًا وقرابة 22 عائلة من بدو النقب يعيشون في قرية "العراقيب" غير المعترف بها ظروفًا مأساوية بعد أنْ هدم الاحتلال الإسرائيلي بيوتهم المبنية من الطوب وأتلف محاصيلهم وقتل مواشيهم وحرمهم من البناء والزراعة للأبد.
ويعيش أهالي القرية الآن في خيام من الخشب والقماش هدمها الاحتلال أمس للمرة 183 في محاولة لكسر صمودهم على أراضيهم.
شيخ قرية العراقيب صياح الطوري يتحدث لـ"فلسطين" عن المشهد المأساوي الذي استيقظ عليه أهالي القرية في ظل المنخفض الجوي الذي يضرب فلسطين ليُترك العشرات من الأطفال والنساء في العراء.
ويقول: "تلك البيوت وهي عبارة عن خيام لم تكن تقينا حر الصيف وبرد الشتاء فهدمها زاد الطين بلة في مشهد لا يمت للإنسانية بصلة من قبل دولة تدعي الديمقراطية وعدم التمييز".
ويؤكد الطوري أن سكان القرية يعانون ظروفًا مأساوية بعد أن كانوا منطقة زراعية على مستوى متقدم، فهم الآن ممنوعون من الفلاحة ويضطرون للعمل كعمال في الجمعيات التعاونية الزراعية والمصانع الإسرائيلية المجاورة لتحصيل قوت يومهم.
وفي نهاية النهار يعود سكان العراقيب لقريتهم المحرومة من الخدمات الأساسية، سوى من كهرباء محطة للطاقة شمسية زودتهم بها الحركة الإسلامية –الشمالية، في حين يحرمهم الاحتلال من التزود بالمياه من القرى العربية واليهودية المحيطة، إذ يضطرون لإعادة حفر ست آبار كان قد حفرها أجدادهم عام 1913، كما يبين الطوري.
وفي المساء يأوي أهالي "العراقيب" إلى خيامهم أو يبيتون في العراء بين المقابر أو في سياراتهم بعد أن كانوا يعيشون في بيوت أسمنتية ويحصلون على دخل وفير من الزراعة، مستدركًا: "الاحتلال صادر معداتنا الزراعية وقتل مواشينا وكلما حاولنا إعادة زراعتها رشّ المحاصيل بالمواد السامة، قبل أن يستصدر قرارًا من محكمة العدل العليا لتجريف المحاصيل بالجرارات".
وأضاف الطوري: "لم يقتصر الأمر على هذا الحد فقد هدم الاحتلال مساجدنا، فحتى قضاء الحاجة يضطرنا لقطع مسافة كيلومتر لنصل إلى أقرب دورات مياه بالمنطقة"، مشيرًا إلى أن إعادة نصب الخيام يتم بتبرع من أصدقاء فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 48.
وتحاول سلطات الاحتلال بكل الطرق إخراج أهالي "العراقيب" من أرضهم الموجودين فيها منذ عام 1905م ويملكون وثائق بيع وشراء لها تحمل ختم الدولة العثمانية، وتم تجديد الوثائق إبان الاحتلال البريطاني في عام 1919، في حين أثبتت الصور الجوية أن الأرض كانت مأهولة بالسكان وزراعية منذ 1936.
واليوم بات كاهل أهل العراقيب مثقل بالغرامات وأجرة الهدم المتكرر، "فنحن مدينون لـسلطات الاحتلال بنحو 600 ألف شيقل لا نملك منه شيئًا في ظل الفقر الذي نعيشه بسبب إجراءاتها، ولدينا استعداد لأنْ نمكث في السجن طوال العمر على أنْ نخرج من أرضنا"، يؤكد الطوري.
ويشير إلى أن الاحتلال يستهدف كل مَنْ يحمل صوت العراقيب للعالم كما حدث معه باستهدافه واعتقاله لمدة عشرة شهور وتغريمه ثلاثة آلاف شيقل وتزييف توقيعه على تعهد بعدم دخولها، "لكنني كسرتُ أوامرهم وعدتُ لأمري وأتمنى من مرشحي "الكنيست" العرب الذين يروجون لانتخاب "نتنياهو" أن يأتوا للنقب ليروا ماذا يفعل بنا؟"، وفق تعبيره.
ويتمنى الطوري على الأمة العربية أن تسمع صوت العراقيب التي تهدم خيامها كل أسبوعين، "ففي وقت نتمنى فيه أن ننال شربة ماء ونحن في عام 2021، يلقي بنا الاحتلال في البرد القارس دون أي إنسانية".
فيما أكد رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب عطية الأعثم أن معاناة أهالي "العراقيب" والقرى غير المعترف بها في النقب اليومية كبيرة جدًّا، وتتجلى في عمليات الهدم المتكرر.
وذكر أن عمليات الهدم أمس طالت منازل قرية "أم بطين" دون الأخذ بالحسبان الطقس شديد البرودة، إذ هدم الاحتلال منزلًا لعائلة أبو سمهدانة، وآخر متنقلًا وديوانًا لعائلة أبو صيام في مدينة رهط، ومسكنًا في قرية الزرنوق في النقب الفلسطيني المحتل.
ولفت الأعثم إلى أن الوكالة اليهودية كانت تعمل منذ قبل قيام دولة الاحتلال على الاستيلاء على الأراضي بالنقب بمختلف الطرق، سواء بالشراء أو الخداع أو التزوير وكان ذلك من خلال منحها أراضي كـ"العراقيب" لـ"الصندوق القومي اليهودي" لتبدأ في ملاحقة أهلها لطردهم منها.
وعزا سبب استهداف العراقيب الواقعة في شمال النقب إلى كونها أراضي خصبة بالنظر إلى النقب الصحرواي، لذلك تريد جعلها وقفًا لليهود ليستفيدوا منها دون غيرهم.
وأشار إلى أن الاحتلال أوصل سكان القرية لحالة من الفقر جعلتهم عاجزين عن إعادة بناء منازلهم الخرسانية التي هدمت في عام 2010 وباتوا يعيشون داخل خيام توفرها الجمعيات الخيرية.