فلسطين أون لاين

تقرير الاحتلال يعلق أمنية الابن الوحيد للأسير أيمن سدر على "مشنقة الموت"

...
الأسير أيمن سدر (أرشيف)
القدس المحتلة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

يتمددُ على السريرِ مثقلًا بأوجاعِ فيروس كورونا، يحملُ ستًا وعشرين سنةً قضاها خلف قضبانِ سجون الاحتلال، وشوقًا لاحتضان ابنه الوحيد محمد، الذي تركه طفلًا رضيعًا لم يزد على أربعة أشهر، أفاق على دنيا لم يجد فيها والده إلا سجينًا تقيده الأغلال، وتعلق بأمنية أن ينعم بلقاء واحد مع والده خارج تلك الأسوار.

تلك الأمنية يعلقها الاحتلال على "مشنقة الموت"، فالأسير أيمن سدر ابن السادسة والأربعين عامًا يهدد وباء كورونا حياته، سبقه حكمٌ بالسجن المؤبد مدى الحياة، وبينهما مدةٌ تقاس بالعمر سيبقى فيها يخفق قلبه في "مقابر الأحياء" التي يموت فيها الأسرى وهم يعيشون في بقعة ما من الأرض ذاتها التي يعيش عليها أبناؤهم وزوجاتهم وآباؤهم وأمهاتهم، وعلى قدر اتساع الأرض لم تتسع لتضمهم معًا.

تتسابق مشاعر الخوف في صوت ابنه محمد، في تلك الأثناء كانت صحيفة "فلسطين" تستمع عبر الهاتف لصوت القهر بداخله: "أسر الاحتلال أبي مذ كنت رضيعًا، والآن بعد ست وعشرين سنة تصل إلينا أخبار متضاربة عن وضعه الصحي والخطورة على حياته".

"كنت أنتظر الجهات الفلسطينية الرسمية لتتدخل للضغط على الاحتلال للإفراج عن أبي المريض؛ فحياته مهددة، لكن -يا للأسف- لا أحد يلتفت للأسرى" وصل محمد لهذه القناعة المحبطة وهو يرى الاحتلال الإسرائيلي يمارس الإهمال الطبي المتعمد.

أدنى مقومات الحياة

في عيادة سجن الرملة التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة أو العلاج، وتحمل اسم عيادة عنوة، يمكث الأسير سدر منذ كانون الآخر (يناير) الماضي: "مكث أبي أسبوعًا يعاني أعراضًا من فيروس كورونا دون تدخل طبي لعلاجه، إلى أن أغمي عليه، فنقل وهو بحالة حرجة لمستشفى سوروكا ووضع على أجهزة تنفس، بعد وصول نسبة الأكسجين في دمه إلى 50%، وقد وصلت إلينا أنباء أنه استشهد، إلى أن نقل إلى عيادة سجن الرملة ولا نعرف أحي هو أم ميت، فالأخبار الواردة من هناك شحيحة".

"كيف يعاد لعيادة سجن الرملة وهو لم يكمل علاجه؟!"، سؤال صاحبه تنهيدة حارة وكلمات مختنقة بالخوف على والده: "أنت تنتظر والدك المغيب قسرًا عنك، ثم لا تجد أحدًا يلتفت إلى قضيتك، هذا محزن تجاه أسير معتقل مدى الحياة، وبينما تنتظر خبرًا مفرحًا عنه يأتيك خبرٌ أنّ صحته متدهورة".

تشع ذاكرته ببريق وصوت خافت مسكون بمعاناة الماضي: "لأن أبي غيّب عني تقبلته بصعوبة حينما بلغت من عمري ثلاثة عشر عامًا، ثم أبلغنا أنه سيفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، وكان اسمه ضمن أسماء الصفقة".

يرحل محمد إلى تلك اللحظات: "حتى إن المسؤولين أكدوا لنا أنه سيفرج عنه، لنصدم صدمة كبيرة بعد أمل وتحضير لاستقباله برفع الاحتلال اسمه من كشوفات الصفقة".

تحقيق قاسٍ

وسبق ذلك إخضاع سدر لتحقيقٍ قاسٍ استمر خمسة أشهر في مركز تحقيق "المسكوبية" بعد اعتقاله، ثم مر بمحطات كثيرة، إذ زار معظم سجون الاحتلال سياسة يستخدمها الأخير لتنغيص حياة الأسرى بكثرة النقل، حتى لا يبني الأسرى صداقات بينهم تهون مرارة الغياب والبعد عن الأهل.

حرقة في القلب يثيرها تدهور وضع والده: "يكفيه أن حرم رؤية ابنه الوحيد، وطول سنوات اعتقاله ومرضه، ألا يستحق الإفراج عنه وإطلاق سراحه؟! (...) أتدري؟ إنهم يعذبونه الآن وكأنهم يتلذذون على معاناته ومرضه، وهم ينقلونه من سجن إلى آخر عبر "البوسطة"، فيمكث يومين ويعاد لسجن آخر ثم ينقل إلى سجن عيادة الرملة أو مستشفى آخر".

و"البوسطة" حافلة لنقل الأسرى من السجن إلى المحكمة والعكس، لا يمكن لأي أسير نسيان عذابها، فهي مزودة بكل أدوات العذاب، فلا يرى الأسير ما بخارجها، ويقيد على كرسي حديدي من قدميه ويديه، وتسير به أكثر من ثماني ساعات حتى تصل إلى وجهتها التي لا يمكث فيها الأسير دقائق معدودة، ثم يعاد إرجاعه عبرها إلى السجن، وأحيانًا تستغرق الرحلة ثلاثة أيام يشغل السجان فيها أجهزة التبريد في الشتاء والتسخين في الصيف.

26 عامًا يحرم محمد وأمه الدخول إلى شقتهم في منطقة "أبو ديس" بالقدس المحتلة، تلك الشقة التي لم يعد لها أبواب ونوافذ، فقد أغلقها الاحتلال بـ"الباطون المسلح"، ومنذ ذلك الوقت يسكنون في بيت جدهم.