فلسطين أون لاين

لماذا يتصاعد إرهاب المستوطنين؟

...

تكررت في الأيام الأخيرة اعتداءات المستوطنين الإرهابية على فلسطينيين، في الضفة الغربية المحتلة، وكان من آخر ضحاياها المواطن بلال شحادة بواطنة، من مدينة البيرة. استشهد مع آخرين أصيبوا بجروح، في إثر دهسهم من مستوطن إسرائيلي، في الأغوار الشمالية، شرقي الضفة الغربية. وقال أمين سر حركة فتح في محافظة طوباس والأغوار، محمود صوافطة، لـ"العربي الجديد"، إن الشبان كانوا يسيرون ضمن مسار مشيٍ بيئي، على جانب الطريق، في الأغوار، وكان المستوطن يسير بسيارته على الجانب الآخر من الطريق، وفجأة اتجه نحوهم بسيارته، ودهسَهم، ما أدى إلى استشهاد أحدهم، وإصابة اثنين آخرين بجروح خطرة.

كان بواطنة ضمن "فريق مسارات"، وهي مسارات شبابية بدأ نشاطها في السنوات الأخيرة، بهدف التعريف بالوطن الفلسطيني، وبجغرافية فلسطين وتاريخها، ولزيادة وعي المجموعات الشبابية بأهمية المحافظة على الأرض، في وجه التوسع الاستعماري الإسرائيلي. وبات هذا النوع من السياحة الحديث، نسبيًّا، يحظى باهتمام قطاع واسع من الشباب، والمجتمعات المحلية والمؤسسات المختلفة، كما يوضح منظموه، والمشاركون فيه.

وقبل أيام، استشهد العامل عزام جميل عامر، من قرية كفر قليل، جنوب شرق نابلس، في إثر دهسه من مستوطن، بالقرب من بلدة حارس، في محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية. وقال مسؤول الإعلام في محافظة سلفيت، معين ريان، إن عامرًا كان في طريق عودته من عمله، وكان يريد قطع الشارع، بعد أن كانت الإشارة حمراء، لكن مستوطنًا هاجمه بشكل متعمد بسيارته، ودهسه.

ولعل ملامح هذه الاعتداءات تكشف عما وراءها من دوافع، يتمثل أبرزها في تحجيم الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، لصالح تظهير الوجود الاستيطاني الاحتلالي. وهذا ملحوظ في مجمل ممارسات احتلالية رسمية، واستيطانية متطرفة، قد تختط لنفسها أحيانًا مساراتٍ غير منسقة مباشرة مع جيش الاحتلال، ما أظهر في مناسبات سابقة تصادمات بين الطرفين، ليس لأن جيش الاحتلال حريص على حياة الفلسطينيين وممتلكاتهم، ولكن للمخاطر المتوقعة من جراء تلك الممارسات التي تقودها جماعات استيطانية متطرفة، وتكون صارخة في همجيتها، وانكشافها أمام القانون الدولي الإنساني، وكذلك لكونها قد تربك، أحيانًا، خطط جيش الاحتلال، حين تأتي في غير وقتها، وفي غير السياق الذي تريده حكومة الاحتلال.

وذلك كله بغرض الحد من الظهور الفلسطيني، حتى العادي منه، والحيوي، أيضًا، كما نلحظ مقادير الغيظ والكراهية التي تطبع المستوطنين، في مواسم قطف الزيتون، وهو موسمٌ ضارب في التاريخ، مقرون بشجرة الزيتون المعمرة، ومركزيتها في الحياة الفلسطينية الاقتصادية والاجتماعية، ففي كل موسم نشهد حرق غُلاة المستوطنين مئات أشجار الزيتون؛ في محاولة لإحباط الروح الفلسطينية المحتفية بموسم القطاف، بعد انتظار سنوي، كأن أولئك المستوطنين لا يطيقون هذه الانسيابية العادية، من الفلسطينيين وعوائلهم؛ كبارًا، وصغارًا، وهذا الالتحام الوجودي، وهذا التناغم بين الأرض وإنسانها.

بالطبع، لا يقتصر استهداف المستوطنين الإرهابي لأرواح الفلسطينيين، على النشاطات الجماعية، كتنظيم "المسارات"، مثلًا، أو مواسم قطف الزيتون، بل تتخلل العام كله، وتطاول البيوت (كما عند حرق المستوطنين منزل عائلة دوابشة، في قرية دوما، في محافظة نابلس، وقد توفي فيها طفل رضيع ووالداه)، والمساجد، والسيارات، وغيرها، ولكن في حوادث متفرقة، وهم حريصون على تهديد الطرق، بين مدن الضفة الغربية وقراها، لثني الفلسطينيين عن السفر والتواصل، ولتكريس العزل، إذ يصبح السفر بين مدينة وأخرى، في بعض الأوقات، مخاطرة حقيقية، يقع القتل فيها على مجرد عابرين قدر مرورهم، عند عزم ثلة من المستوطنين ارتكاب جريمة قتل بحق أي فلسطيني مسافر. كما نتذكر مقتل الأم الفلسطينية عائشة الرابي (47 عامًا)، من بلدة بديا، في محافظة سلفيت، عام 2018، بحجر المستوطنين الذي أصاب رأسها، وهي برفقة زوجها. وهو الاعتداء الذي اعترفت وزارة الأمن الإسرائيلية بأنه نتيجة "عمل عدائي"، وقع لأسباب قومية، وبدوافع أيديولوجية عنصرية وعدائية تجاه الفلسطينيين العرب؛ لمجرد أنهم عرب.

تزداد هذه الاعتداءات الاستيطانية الإرهابية، على الرغم من قرار المحكمة الجنائية الدولية شمول اختصاصها القضائي الجرائم التي تقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى الرغم من أن الاستيطان هو أكبر القضايا المطروحة أمام محكمة الجنايات الدولية، فعقلية المستوطنين المتعالية على القانون الدولي، والمتشبثة بالأيديولوجيات الدينية المتطرفة، أكثر انغلاقًا، بما يعزلها عن تكييف خططها، وممارساتها.

ليست هذه الموجات من الاعتداءات الإجرامية عفوية، بل وراءها جماعاتٌ من غُلاة المستوطنين، قررت المبادرة إليها، ببواعث كراهية عنصرية، وتحت غطاء تحريضي من مرجعيات دينية متطرفة لا ترى أي حرمة للدم الفلسطيني، بغض النظر عن ظروف المعتدَى عليهم، وبقطع النظر عن كونهم مدنيين عزلًا، وليسوا في حالة اشتباك مع جنود الاحتلال ومستوطنيه، ونستذكر إشادة حاخام مدينة صفد، شموئيل إلياهو، بالاعتداء على عائلة الرابي، وقوله: إن مؤسسات "الدولة"، ولا سيما الجهاز القضائي، فاسدة، لكن يجب على الشبان المشبوهين عدم الخوف من السجن؛ "لأنه من السجن يخرج الملوك".

تتفاقم هذه الاعتداءات الاستيطانية على خلفية التوجه الإسرائيلي الاحتلالي إلى سياسات اليمين المتطرف، الداعمة للاستيطان، وبعد إعلان وزير الاستيطان الإسرائيلي، تساحي هنغبي، أن حكومته ستمضي في تنفيذ الرؤية القائمة على جلب أكثر من مليون يهودي إلى المستوطنات في الضفة الغربية. أما رئيس الحكومة الاحتلالية، نتنياهو، فهو أقرب ما يكون إلى هذه التيارات الحريدية الدينية المتطرفة، وأقرب إلى التماهي مع نزعات المستوطنين العدائية والعنصرية.

وهو في أمس الحاجة إلى استرضائها، خصوصًا في ظرفه المأزوم، قضائيًّا؛ بسبب مواجهته تُهم الفساد والاحتيال وخيانة الأمانة، ولحاجته إلى الأحزاب الصهيونية الداعمة له، في الانتخابات المقبلة؛ لأنها تمثل الكتل الحزبية المتحالفة معه؛ لترجيح كفته لتشكيل الحكومة. ولا تلتفت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى هذا الواقع المختل، بين دولة محتلة تدعم، أو تغطي على إرهاب مستوطنيها، وهي مصرة على الخط المعهود؛ من حماية "إسرائيل"، أمام أي ملاحقات قضائية دولية، تسائِل قادتها عن سجلهم الطويل، في انتهاك حقوق الفلسطينيين، شعبًا كاملًا وأفرادًا.

المصدر / أسامة عثمان - العربي الجديد