لا يعد ذهاب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح حسين الشيخ إلى القيادي بالحركة الأسير مروان البـرغوثي في سجنه؛ لثنيه عن الترشح للرئاسة، مجرد زيارة فقط، كالتي تنسّق لها منظمات حقوقية وإنسانية؛ كما أي أسير، بل فارقة جدًّا ويبنى عليها مصير تنظيم فلسطيني كبير، فهي تؤكد أولًا صحة استطلاعات الرأي التي فضلت البرغوثي رئيسًا فلسطينيًّا بنسبة 55%، وهي في معناها الآخر نسبة لم تعد تريد الرئيس أبا مازن ولا تفضله.
وبهذه الزيارة تمنح "فتح الرسمية" البـرغوثي دعاية ثمينة وترفع أوزانه الانتخابية، وتوجه الأنظار إليه بوصفه المنقذ لما تمرّ به الحركة (في نظره) أو من سيزيد شرخها (في نظرهم)، لذلك هو عنوان الحالة الفتحاوية الآن.
ثم إن الزيارة تؤكد أيضًا المخاوف لدى الإقليم بشأن الانقسامات الخطيرة والمتوقعة داخل فتح في إثر ممارسات أبي مازن؛ لأن التصدّع هو النتيجة الحتمية للخلل الوظيفي في الحركة، والفشل في الدور القيادي للرئيس، حركة فتح تسابق نفسها حاليًّا، وهي في وضع تشعر بأنها هي من تفاجأت بمراسيم الانتخابات، وليس غيرها.
الحركة قطعت دهرًا في ممارسة التفاوض وعقد التسويات، لكنها في حالة "المواقف السريعة" التي بالإمكان رصدها في الأيام الأخيرة نسيت قبل ذهابها إلى البرغوثي القاعدة التي تقول: "لا تذهب إلى التفاوض وجهًا لوجه إلا إذا كنت الأقوى"، والحقيقة أنها ذهبت مُدانة أمام سجين أرهقه تكرار الخذلان.
من يتخيل أن حركة بحجم فتح بعد أن تجاهلت سنوات قياداتها الأسرى في سجون الاحتلال أو انشغلت عنهم، وساومت على ملفهم؛ أصبح مصيرها بيد سجين في زنزانة رقم (28) بسجن "هداريم" الإسرائيلي؟!
ويبدو مهمًّا كذلك السؤال عن الحاجة إلى التفاوض مع البرغوثي، إن كانت "وحدة حركة فتح ترعب كثيرين وتقض مضاجع أصحاب الأجندة الخاصة"، كما كتب حسين الشيخ عبر حسابه في تويتر قبل يومين من زيارة البرغوثي، لولا أنها مصارحة بأن قيادات الحركة اليوم الذين قبلوا تفرد الرئيس، وصوتوا في أطر الحركة ومؤسساتها على قراراته التي بعثرت التنظيم وكانت سببًا في نشوء تيارات داخلية معارضة أصبحت تشكل تهديدًا لها، وقبضوا ثمن رضوخهم؛ ليسوا بمستوى الثقة، ولم يعودوا مؤهلين لتمثيل الحركة، ومنغمسون في شبهات جعلت البرغوثي كالمخلّص في نظر القواعد.
إن مجرد فكرة التفاوض مع البرغوثي من منطلق الخشية على أصوات فتح ومنع تشتتها، في مواجهة وحدة وثقل خصومها، لا يؤشر إلا على شكوك في قدرة قيادة التنظيم الحالية على خوض الانتخابات المقبلة، أي أن فتح تقف حاليًّا على أرض مهتزّة، وهذا ما يجعلني متشككًا حتى تاريخ 22 أيار (مايو) المقبل، ما لم تنجح الجهود الداخلية وجهود الإقليم في توحيد فتح، وكسر غرور أبي مازن وإجباره على التوقف عن استصغار الآخرين؛ لأن معادلة الانتخابات هذه المرة ليس فيها متغيّر واحد، وفرصها للتغيير أقسى وأوسع نطاقًا، وأكبر من قدرته على تأميمها.