تُمسك بين يديها هاتفها المحمول تقلِّب صورًا لزوجها الشهيد وعيناها تجول يمنةً ويسرة، وتستذكر أوضاعها المعيشية قبل استشهاده إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، تاركا خلفه الحسرة والألم في قلبها لعدم قدرتها على تلبية مُتطلبات عائلتها.
قسوة الظروف التي تعيشها سعاد النجار (56 عاما) لم تقف حائلا أمام مشاركتها في اعتصام الأهالي أمام مقر مؤسسة الشهداء والجرحى التابعة لمنظمة التحرير، غرب مدينة غزة، رغم المسافة الطويلة التي تقطعها أثناء قدومها من بلدة خزاعة شرقي محافظة خان يونس جنوبي القطاع.
"جاية آخد راتب زوجي الشهيد محمد".. خرجت هذه الكلمات من قلب سعاد النجار في بداية حديثها لصحيفة "فلسطين"؛ تعبيرا عن غضبها لتجاهل هذا الملف المهم على مدار سبع سنوات خلت.
لم تجد سعاد سبيلًا لاستعادة حق زوجها محمد الذي ارتقى عام 2014، سوى الإصرار على المشاركة في الفعاليات التي ينظمها أهالي الشهداء، علّ آذان مسؤولي وقيادات السلطة تصغي لمطالبهم العادلة، لا سيَّما أن زوجها وآلاف الشهداء قدَّموا أرواحهم فداءً لفلسطين.
سنة تلو أخرى وظروف سعاد تزداد سوءا، في ظل عدم وجود أي مُعيل لها وأبنائها الأربعة بعد رحيل زوجها، وسط صمت واضح من المسؤولين عن هذه المعاناة الممتدة، دون وجود أي آمال تلوح في الأفق حتى الآن، وفق حديثها.
وتطلب الخمسينية التي لم تتلقَ أي راتب منذ استشهاد زوجها، من رئيس السلطة محمود عباس، دفع راتبها وجميع الأهالي، مضيفة: "حرام عليه واحنا نعتصم في الشوارع منذ سبع سنوات... لمتى بدو يعمل فينا هيك؟".
وتتوعد أنها لن تذهب لصناديق الاقتراع لانتخاب أي مسؤول قبل الحصول على حق زوجها الشهيد.
أم حسن رزقة والدة الشهيد حسن، جاءت هي الأخرى من مخيم دير البلح وسط القطاع، للمشاركة في الاعتصام، آملة استعادة راتب ابنها الشهيد الذي قطعته السلطة عام 2019.
الشهيد حسن الذي ارتقى عام 2004 كان مُعيل الأسرة بحسب والدته، بسبب وفاة والده قبله بعامين، مضيفة: "بعدما انقطع الراتب لم يبقَ لنا أي مصدر دخل".
وتحكي رزقة التي تُعيل عائلة مكونة من ثلاثة أفراد أن ظروفها الاقتصادية لا تسمح لها بدفع تكاليف قدومها من دير البلح للاعتصام يوميا، لا سيّما أنها تسكن في بيت بالإيجار، وباتت لا تستطيع دفعه أيضا.
وتطالب السلطةَ بإعادة رواتب الشهداء والأسرى والجرحى كي توفر لعائلتها لقمة حياة كريمة من جهة، وإنهاء معاناة استمرار الاعتصامات منذ سبع سنوات من جهة أخرى.
في المقابل، يجلس المواطن محمد رجب (50 عاما) والد الشهيد علاء، على كرسيه المُتحرك، في الاعتصام، يترقَّب أي لحظة يُعتمَد فهيا راتب ابنه الشهيد.
ويأتي رجب قادما على كرسيه من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، متسلحا بالإصرار، للمطالبة بحق ابنه الشهيد: "بنيجي نعتصم أمام مقر مؤسسة الشهداء حتى ينزل رواتب أولادنا".
ويُطالب رجب رئيس السلطة باعتماد ابنه الشهيد، وهو البكر له والمُعيل للعائلة، ومساواتهم مع شهداء الضفة الغربية المحتلة، من أجل عيش حياة كريمة بدلا من تركهم في الشارع، كما يقول.
وعبّر عن أمله أن تُفضي اجتماعات القاهرة عن اتفاق بين الفصائل يُنهي معاناتهم المستمرة، متوعدًا أنه لن ينتخب أي طرف قبل حل مشكلتهم.
مستمرون في الاعتصام
وأكد المتحدث باسم اللجنة الوطنية لأهالي الشهداء والجرحى علاء البراوي، استمرار الاعتصام أمام المؤسسة التابعة لمنظمة التحرير حتى صرف الحقوق لأصحابها جميعهم.
وقال البراوي في حديث لـ"فلسطين": "نحن مع الكل الفلسطيني والانتخابات والمصالحة، لكن لا نقبل أي اتفاق يستثني أُسَر الشهداء والأسرى والجرحى".
وأفاد بأن عدد المقطوعة رواتبهم من الشهداء والأسرى والجرحى بلغ 3170 مواطنا، منهم 1943 عام 2014، و170 من عدواني 2008 و2012، مشيرًا إلى أنهم ينتظرون قرارا سياسيا بإنهاء معاناتهم.
ودعا السلطة إلى إنهاء الانقسام وبث البشريات لأبناء قطاع غزة، من بينها صرف رواتب الشهداء والجرحى والأسرى، لافتا إلى أن اللجنة أرسلت رسائل خطية للفصائل المجتمعة في القاهرة بضرورة إعادة حقوق أهالي الشهداء.
وشدد على أنه "لن نغادر المكان أو نستقبل أي مسؤول لطرح برنامجه الانتخابي، قبل أن تُرد الحقوق لأصحابها".