فلسطين أون لاين

ذاك زمن الاحتلال الإسرائيلي الغاشم

كانت مباريات تصفية بطولة كرة الطائرة في قطاع غزة ستجرى في 24/7/1981م في نادي غزة الرياضي، في اليوم التالي لاستشهاد الأسيرين راسم حلاوة، وعلي الجعفري، اللذين ارتقيا في أثناء إضراب أسرى سجن نفحة عن الطعام.


ولما كنت في ذلك الوقت مدربًا لفريق خان يونس لكرة الطائرة، والكابتن الرياضي للفريق؛ فقد اتصلت بنادي غزة معتذرًا عن عدم مشاركة خان يونس، احترامًا للشهداء، ووفاءً للأسرى، وطالبت نادي غزة الرياضي بتأجيل مباريات التصفية.


يومها قال المسئول في نادي غزة الرياضي: "أطلقنا على الدوري اسم: دوري أسرى سجن نفحة"، وأضاف ببراءة: "إن أهل أحد الشهيدين في بيت لحم، وأهل الشهيد الآخر في جباليا، والمباريات ستجرى في غزة، ولا تؤثر على المضربين، ولن يراها أهل الشهداء".


قلت له: "الأسرى بحاجة إلى تضامن فعلي لا شعارات، ويجب أن يعرف الإسرائيليون أن الشعب كله يقف خلف أسراه المضربين، يجب أن يخاف الإسرائيليون من ردة فعل الشارع الفلسطيني الغاضب، وتعطيل كل الأنشطة جزء من المعركة، ومقدمة للاستجابة إلى مطالب الأسرى".


في ذلك الوقت كان لنادي الشجاعية الموقف نفسه، واعتذر عن عدم المشاركة في مباريات التصفية، فأجلت المباريات تضامنًا مع الأسرى المضربين عن الطعام.


كان ذلك في زمن الاحتلال الإسرائيلي الكامل لقطاع غزة والضفة الغربية.


ولكن في زمن السلطة الفلسطينية في سنة 2017م زادت الأنشطة الرياضية بين الأندية، وكأنها ترمي إلى التغطية على إضراب الأسرى، وتتواصل الاحتفالات والمهرجانات والمباريات وكأن لا أسرى فلسطينيين يقبعون في السجون منذ عشرات السنين، وملأت الأعراس والأفراح شوارع غزة والضفة الغربية، إنهم يرقصون ويطبلون في الشوارع، ويزفون العروس الذي سيحرر فلسطين، وكأن لا أحد في السجون يموت وطنية، في غزة ورام الله تشم رائحة شواء اللحم في المطاعم، وتقدم للزبائن أفخر الوجبات، في الوقت الذي يتلوى فيه الأسرى وجعًا.


في زمن السلطة الفلسطينية يسافر الرئيس إلى الهند ليتضامن من هناك مع الأسرى المضربين عن الطعام، بعد أن عقدت الانتخابات المحلية في الضفة الغربية، وكأن لا علاقة بين الأسير الفلسطيني الذي يموت كرامة، والمسئول الفلسطيني الذي يموت شهوة وشهرة وشجنًا.


ما أوحش شماتة السجان بالأسير المضرب عن الطعام، وقد خذله مسؤولوه!


ما أقسى إهمال القيادات للأسرى وهي التي أعطتهم الأوامر قبل عشرات السنين بمقاتلة المحتل الإسرائيلي، ثم تستخفهم، وتدير لهم الظهر، وتلتقي على طاولة مستديرة السجان!


ما أجرم القائد الذي أعطى الأوامر لأجهزته الأمنية بعدم السماح لأهالي الأسرى بالوصول إلى مفارق الاحتكاك مع المستوطنين، ويحول دون وصولهم إلى قبر الشهيد "أبي عمار"!

بعد ثلاثة وعشرين عامًا من وجود السلطة الفلسطينية نقول:

في زمن الاحتلال الإسرائيلي الغاشم كانت الوطنية نقية من شوائب التنسيق الأمني، وكان الوطن خاليًا من دهون التكسب الزائدة، وكان الوطن لا يشكو من ارتفاع ضغط المصالح، ولا يتوجع من أورام المفاصل البنكية، ولا يترنح من ارتفاع سكر الفساد.


بعد ثلاثة وعشرين عامًا من سلطة فلسطينية نقول: لا غفر الله لزمن تفككت فيه عرى الانتماء لفلسطين، وصارت الوطنية مطية لكل قرار عاثر.