ثلاثة أيام حاسمة ستحدد مستقبل المشهد السياسي الفلسطيني، وفي المكان نفسه (القاهرة) الذي شهد حوارات مطوّلة ورصيدًا من الاتفاقات والتوافقات السابقة التي أصبحت "مراجع وطنية" على رفوف الذاكرة.
توجد أسباب جوهرية ترفع أهمية الحوار الوطني ومخرجاته هذه المرة، وتزيد حالة الترقُّب لكل ما سيصدر عنه، وفي مقدمتها المراسيم الرئاسية التي أصدرها تحت الضغط الرئيس محمود عباس وبعد طول انتظار، والتي لا يبدو التراجع عنها ممكنًا إذا ما قرر قبول ما يترتب عن ذلك، إضافة إلى الضمانات الدولية والدفع الخارجي الذي يبدو معنيًّا بحذر بهذا الاستحقاق في الأراضي الفلسطينية.
في الطريق إلى القاهرة، بدت مفاجئة مشاركة رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة يحيى السنوار ضمن وفد الحركة، وهذا يعكس جدّية عالية منها في المضي نحو إجراء الانتخابات، إضافة إلى إزالة المبررات وقطع الطريق على أي محاولات للتهرّب تحت ذريعة رفض حماس في غزة للمصالحة، كما جرى الادعاء سابقًا. وبمشاركته يكتمل وفد الحركة من الأقاليم الثلاثة لها، كتأكيد منها أن قرارها في القاهرة مركزي ويمثِّل حماس الواحدة، بعكس ادِّعاء بعض خصومها وحالهم.
إن الوجود الوطني في القاهرة يثبت أن القرارات بقانون والمراسيم الرئاسية التي يصدرها الرئيس عباس هي دون "قوة التوافق" التي تمهد طريقها إلى التنفيذ الفعلي، وإلا فإن التلميحات التي صدرت عن أوساط فتحاوية بأن أبو مازن ماضٍ في الانتخابات إن لم تنجح الحوارات، لن ينتج عنها سوى زيادة التعقيد في المشهد الفلسطيني، وقد يحصل أبو مازن على الشرعية التي يريدها، لكن تظل منقوصة ومشكوكًا فيها ولا تعبِّر عن تمثيل حقيقي، عدا عن أن تهمة التسبب بالفصل بين الضفة وقطاع غزة، سترتدُّ عليه.
لذا فإن منطلقات الحوار في القاهرة يجب أن تبدأ من فكرة أنه ليس حوارًا لتسجيل انتصارات سياسية، ولا جولة "إنزال أيدٍ"، بل من أجل دفع الحالة الوطنية إلى التقدُّم ولو ببطء، في حوار ينوب عن الفلسطيني ويدافع عن حقه وشجاعته في الوجود وممارسة ما يحفظ كينونته.
إن القضايا والملفات التي سيناقشها الاجتماع تبدو واضحة ومعلومة للجميع، ويمكن للمواطن البسيط وضع يده على النقاط التي يمكن أن تنهي الحوار قبل أن يبدأ، لذلك فإن الاجتماع لا يحتاج إلى إطالة في وجود المخالفات الصريحة والمستجدَّة وغير المتوافق عليها وطنيًّا، والتي تعدُّ واحدة من أبرز الأسباب التي دعت إلى اجتماع القاهرة، وقد يكون كافيًا الاستعانة بملاحظات نقابة المحامين وموقفها الصلب ضد ما تصفه بالتدخلات الخطِرة.
يظل واردًا التوصل إلى توافق وآليات سريعة لإجراء الانتخابات بعد تصحيح وإزالة كل العقبات، ووارد جدًّا في المقابل عدم التوافق وإصرار أبو مازن على قراراته وموقفه، بما يعنيه ذلك من إدخالنا في مرحلة سياسية غير مسبوقة من الخلاف الوطني ستمتد تأثيراتها إلى الخارج، أو نفق مظلم بعبارة أدق، وفي هذه الحالة فإن الاقتراح ألا تتسرَّع الفصائل في مغادرة القاهرة والبقاء لأيام كتأكيد منها لجدِّيتها في إجراء الانتخابات واحترام الإرادة الدولية، ومنح حركة فتح فرصة العودة إلى عقلها وطاولة الحوار؛ كي لا تظل في منتصف المتاهة.