أُثير بعد تطبيع المغرب علاقاتها مع "إسرائيل" موضوع هجرة اليهود المغاربة إلى فلسطين المحتلة، فبعد أن كان يهود المغرب أحد مكوِّنات النسيج الاجتماعي للمغرب، ويشكلون 10% من مجموع السكان عام 1948، أدت الدعاية الصهيونية والإسرائيلية إلى هجرة الآلاف من يهود المغرب إلى فلسطين المحتلة بعد إنشاء دولة الاحتلال على القسم الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية في 15 من أيار / مايو 1948.
معطيات وحقائق
تبعًا للدعاية الصهيونية والإسرائيلية، هاجر إلى فلسطين المحتلة الآلاف من يهود الدول العربية على مراحل، ولهذا تراجع مجموعهم في الدول العربية من 700 ألف يهودي عام 1950 إلى 585 ألفًا عام 1960، ولم يتعدَّ مجموع اليهود في الدول العربية في العام الحالي 2021 (3500) يهودي، منهم 2000 في المغرب و1000 آخرين في تونس، فضلًا عن خمسمئة يهودي في باقي الدول العربية، وبالتحديد في مصر وسوريا واليمن.
في مقابل ذلك وصل عدد اليهود من أصول عربية في (إسرائيل) حاليًّا إلى مليون وثلاثمئة ألف يهودي، يمثلون 20% من إجمالي مجموع اليهود فيها، وبات اليهود من أصول عربية يشكلون 56% من إجمالي عدد اليهود السفارديم في (إسرائيل) خلال العام الحالي، والمقدر بنحو مليونين وثلاثمئة وأربعين ألف يهودي.
وبالاعتماد على المجموعات الإحصائية الإسرائيلية، فإن نسبة اليهود الأشكناز من أصول أمريكية وأوروبية في (إسرائيل) قد وصلت إلى 40% خلال السنوات الأخيرة، في حين تصل نسبة اليهود السفارديم من أصول شرقية آسيوية وإفريقية إلى 36%، أما اليهود الصابرا، أي اليهودي من أب مولود في فلسطين المحتلة، فتصل نسبتهم إلى 24% من إجمالي مجموع اليهود في (إسرائيل). ويشكل اليهود المغاربة نسبة كبيرة من يهود الدول العربية والدول الإفريقية في (إسرائيل).
وعمومًا تراجع مجموع اليهود في الوطن العربي، ففي حين لم يتعد مجموع اليهود في الدول العربية 3500 يهودي كما أشرنا، بات في (إسرائيل) نحو مليون وثلاثمائة ألف من الدول العربية، حيث الزيادة الطبيعية عالية بينهم نظراً لارتفاع الخصوبة عند المرأة اليهودية العربية من المغرب والعراق واليمن والدول العربية الاخرى، مقارنة بالنساء اليهوديات من أصول غربية، وبسبب ارتفاع معدلات النمو الطبيعي لليهود العرب سترتفع نسبتهم إلى أكثر من ثلث مجموع اليهود في (إسرائيل) بعد عقدين من الزمن.
ومن الأهمية الإشارة أيضاً إلى أن نسبة اليهود العرب الأفارقة من دول المغرب العربي ومصر تصل إلى 90% من إجمالي عدد اليهود الأفارقة، الذين يشكلون بدورهم 17% من مجموع اليهود في (إسرائيل) خلال العام الحالي 2020. وبشكل عام بات اليهود العرب من أصل إفريقي يشكلون 16% من إجمالي عدد اليهود في (إسرائيل). كما يشكل اليهود من أصول مغربية 63% من إجمالي عدد اليهود العرب في (إسرائيل) والبالغ مليون وثلاثمائة ألف يهودي كما أشرنا، وثمة 37% من أصول عربية آسيوية، أي من العراق ولبنان وسوريا واليمن وغيرها من الدول العربية الآسيوية.
والثابت أن الشعارات الصهيونية والإسرائيلية، مثل "أرض الميعاد"، و"فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، نجحت إلى حد كبير في جذب غالبية اليهود من الدول العربية ليشكلوا ثقلاً ديموغرافياً هاماً في (إسرائيل)، لكنه لم يتبوأ أحد من اليهود العرب مواقع سياسية واستراتيجية حسّاسة منذ نشأتها عام 1948؛ لاعتبار شريحة كبيرة من التجمع الاستيطاني الصهيوني في (إسرائيل) أن اليهود الأشكناز من أصول غربية، هم بناة (إسرائيل) الأوائل وليس اليهود السفارديم من أصول شرقية ومن ضمنهم يهود المغرب العربي.
الدعاية الصهيونية كمقدمة لجذب يهود المغرب
على عكس الدعاية الصهيونية والإسرائيلية؛ لم تحصل عمليات دفع وتهجير عربية مبيتة ليهود المغرب والدول العربية الأخرى في اتجاه فلسطين المحتلة؛ في مقابل ذلك تمت عشرات المجازر الصهيونية الموثقة ضد الفلسطينيين خلال عامي 1947 و1948 وبعدهما، بغرض ترويعهم وبالتالي طردهم، وهذا ما حصل فعلاً، حيث تمَّ طرد نحو 850 ألف فلسطيني إلى خارج فلسطين بقوة المجازر أو التهويل في ارتكاب مجازر أخرى في وقت لاحق.
واللافت أنه على الرغم من قلة عدد اليهود في المغرب، لكنهم كانوا كأقرانهم في كافة الدول العربية جزءاً من النسيج الاجتماعي وامتزجوا في حياة البلاد العامة وعاداتها وتقاليدها، ولم تكن "الغيتاوات" الخاصة بهم موجودة في الأساس، إلا أنه وبعد إنشاء (إسرائيل) في أيار/ مايو 1948، تمكنت الدعاية الصهيونية من تشويه صورة أوضاع اليهود في الدول العربية ومن بينها المغرب، وتالياً حمل اليهود المغاربة على الهجرة إلى فلسطين المحتلة، وذلك بغية تحقيق الهدف الديموغرافي الصهيوني والإسرائيلي الذي يتركز حول التفوق الكمي على العرب في فلسطين في نهاية المطاف، واستطاعت (إسرائيل) بدعم من المؤسسات الصهيونية وخاصة الوكالة اليهودية جذب غالبية أبناء الطائفة اليهودية في المغرب إلى فلسطين المحتلة خلال الفترة الممتدة بين عامي 1948 و2020.
وبالأرقام تشير معطيات إسرائيلية إلى جذب 800 ألف يهودي خلال الفترة المذكورة؛ ولم يتبق في المغرب سوى 2000 يهودي. وعلى الرغم من نسبتهم الكبيرة في (إسرائيل)، لكنهم يواجهون عنصرية جلية ومتفاقمة، كونهم من اليهود السفارديم الشرقيين؛ فوفقاً لما ذكره المؤرخ اليهودي المغربي حاييم الزعفراني في كتابه "ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب"، فقد وضعت (إسرائيل) شروطاً لهجرة اليهود المغاربة إليها؛ ففضَّلت قبول الشباب الأقوياء جسدياً والذين يمكنهم العمل، بينما تحتّم على المسنين والمرضى أن يبقوا تالياً، حيث مات كثير منهم قبل أن يحصلوا على فرص الهجرة باتجاه فلسطين المحتلة.