السادس من فبراير تاريخ لا يغفله فلسطيني حر أبدًا؛ فما إن تهلّ بشائر فبراير حتى تهل معها سيرة المطارد الشبح الذي جمع أشتات دولة الاحتلال الإسرائيلي الممزقة سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا حتى عقديًّا على كلمة واحدة، وهي: التخلص من فدائي فلسطيني، يتهمونه بقتل المستوطن الحاخام رزئيل شيفح، في عملية إطلاق نار جنوب نابلس بالضفة الغربية.
ثلاثة أسابيع كاملة قضتها قوات الاحتلال ومخابراته وأذرعه وجواسيسه وفوقهم التنسيق الأمني للقبض على الفدائي أحمد جرار ابن الشهيد القسامي نصر جرار، أحد أبرز قادة كتائب عز الدين القسام، وأحد مهندسي عمليات المقاومة وتصنيع العبوات الناسفة بالضفة الغربية.
مداهمات واعتقالات وتخريب يومي متواصلة في مدن الضفة الغربية، لعلها ترشدهم إلى طرف خيط يوصلهم إلى حيث تحصن ضالتهم الشهيد أحمد جرار، حتى حان موعد زفاف البطل إلى الحور العين، أزيز رصاص وأصوات قنابل صوت ضجت في قرية اليامون قضاء جنين، يبدو أنها عملية أخرى للبحث عن إبرة في كومة قش، لم يتوقع الفلسطينيون أن موعد زفاف جرار إلى حوره قد حان.
ورغم إحاطته من كل مكان أبى جرار أن يسلم نفسه صاغرًا لجيش الاحتلال ومرتزقته الذين طوقوه مثل السوار، كما أبى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة مستسلمًا لمحتل مغرور يدنس أرضه وقدسه دون محاسبة، أراد أن يُزف بطلًا، وأن تحيا سيرته بطلًا، وأن يبقى لأترابه وأبناء وطنه مثلًا، ولأمه بارًّا وولدًا، ولابنه الذي حمل اسمه عزًّا وفخرًا.
نتيجة المعركة كانت محسومة، فما حوله من قوات مدججة بالأسلحة لن يقابلها وحده ويفوز بمقاييس الدنيا، ومع ذلك انتصر عندما خار الجسد وارتقت الروح إلى بارئها في إثر إطلاق نار متبادل مع قوات الاحتلال، في تاريخ السادس من شباط/فبراير عام 2018م، تاركًا خلفه درسًا في المقاومة والكبرياء وهدية!
مكان استشهاد جرار أصبح محط اهتمام النشطاء الفلسطينيين الذين التقطوا له عشرات الصور، ليوثقوا في ذاكرة الأجيال أن ها هنا استشهد المطارد "الشبح"، كما لقبوه.
لقت مقتنيات أحمد وملابسه اهتمام الفلسطينيين، الذين نسوا الانقسام وتوحدوا خلف دماء جرار التي تسري في عروق كل فلسطيني، ومن تلك المقتنيات "مصحف" كتب عليه الشهيد: "إهداء إلى ابني العزيز أحمد".