فلسطين أون لاين

لا تخشوا على مشروع المقاومة

في الثالث عشر من مارس 1996م اجتمعت ثلاثون دولة في مدينة شرم الشيخ المصرية برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون تحت عنوان جميل وبرّاق أطلقوا عليه اسم "مؤتمر صانعي السلام"، ووجه المجتمعون إدانة شديدة لأعمال المقاومة التي آلمت كيان الاحتلال آنذاك، وتوافقوا على التنسيق المشترك لملاحقة المقاومة الفلسطينية، ومحاصرة تمويلها الخارجي، ودعم الجهود الدولية للقضاء عليها.

ما زلت أذكر مشاهد ذلك المؤتمر إلى يومنا هذا، فالمقاومة الفلسطينية التي حيكت ضدها عشرات المؤامرات، ووُضع قادتها على قوائم الإرهاب في مختلف الدول، وأُهدرَ في سبيل القضاء عليها، ودفع حاضنتها الشعبية للتخلي عنها المليارات من الأموال التي لو أُنفِقت بهدف إغاثة الفلسطينيين ومساعدتهم في حياة كريمة لكفاهم.

تلك المقاومة التي وضعت تحرير فلسطين هدفًا لها، وعانت في تلك الحقبة البائسة الاضطهاد والملاحقة، وكان مطارَدوها آنذاك يبحثون دون جدوى عن بيت يؤويهم، فيضطرون للمبيت ليالٍ طوال في كهوف جبال الضفة، وتحت أشجار البرتقال في بيارات غزة، فالمقاومة التي أضحت اليوم أشد بأسًا وأصلب عودًا، كانت وما زالت منذ انطلاقتها المباركة تُدرك المخاطر والتحديات التي تواجهها، وتُعِد جيشها الجرّار ليوم التحرير، وتبني ساعة بساعة ترسانتها من الرجال والعتاد والسلاح، وتخوض معاركها الأمنية والعسكرية مع الاحتلال، إلى جانب حراكها السياسي والدبلوماسي والمجتمعي بجهود متواصلة تُكمل بعضها بعضًا.

ففي الإطار الوطني واجهت المقاومة بثبات مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وتنازلت لخصومها في سبيل إتمام الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، ونجحت في جمع القوى الفلسطينية الفاعلة في نسيج واحد، وشاركت الجميع في قراراتها، ورفضت بكبرياء لقاء إدارة ترامب أو التفاوض على الحقوق الفلسطينية.

وفي الجانب العسكري نجحت المقاومة في تهشيم نظرية الأمن الصهيوني، وبددت أوهام جيش الاحتلال بأنه لا يُقهَر حين داست بأحذية رجالها رؤوس جنوده، ودكّت كيانه الهشّ بعشرات الصواريخ، وأفشلت مرارًا محاولاته لاقتحام غزة، أو دفعها للتنازل أو الاستسلام.

وفي مقابل المشروع المقاوِم نجد أن مشروع التسوية فشل في تحقيق أيٍّ من أهدافه السياسية، ووصل إلى نهايته حين اصطدم بجدار الفصل في الضفة، وباتت الضفة دولة للمستوطنين يقطنها أكثر من ثمانمئة ألف مستوطن صهيوني بفعل الأمن والاستقرار الذي وفّره التنسيق الأمني المقدّس مع الاحتلال.

أستذكر العديد من الأسماء التي اعتادت سابقًا الترويج لخيار التسوية، وتضليل أبناء شعبنا، وتسفيه خيار المقاومة، والطعن في رموزه السياسية والعسكرية، وحين أنظر إلى حالها اليوم أشفق عليها، وهي تقتتل فيما بينها، وتتهم بعضها بعضًا بالخيانة والفساد، وتلبس من جديد لباس الوطنية الزائفة، فتروج لشخوصها الفاشلة، ولوهم التفاوض مع الاحتلال.

إنني وحين أتحدث عن المعركة السياسية المقبلة، معركة صندوق الاقتراع، أؤمن بكل ثقة أن المقاومة التي يراد انتزاع شرعيتها البرلمانية والسياسية لهي أقدر على تحقيق الانتصار، فالضفة اليوم شاهدة في فشل خيار المفاوضات، والقدس عازمة على طي صفحة من تجاهل دعم صمودها طيلة السنوات السابقة، وغزة تُدرك من شارك في حصارها، وتعرف اليوم جيدًا من الذي يبتزها ويساوم أبناءها على حياة كريمة مقابل إعادة انتخابه في صندوق الاقتراع.

إن المرحلة التي نعيشها اليوم تختلف كثيرًا عن المراحل السابقة، فالكل يدرك فشل خيار استئصال المقاومة، والتصريحات الأوروبية والدولية تُقر بخطئها في الإقرار بنتائج الانتخابات الفلسطينية السابقة، وهي اليوم عازمة على الاعتراف بها، والتعامل مع الكتلة الفائزة أيًا كان لونها السياسي، كما أن العواصم التي كانت توصد أبوابها في وجه قادة المقاومة أضحت اليوم تستقبلهم بحفاوة، وحين تدرك أنهم اللاعب الأكثر تأثيرًا في الساحة الفلسطينية.

إن المقاومة الفلسطينية اليوم إذ تدرك ما تمتلكه من أوراق القوة السياسية والعسكرية والشعبية تُقدم على معركتها الانتخابية المقبلة، بهدف توحيد أبناء شعبنا على خيار المقاومة، وتوحيد أمتنا على رفض التطبيع مع الاحتلال، وهي تمتلك من القدرة والكفاءة ما يؤهلها لقيادة الشعب الفلسطيني في المرحلة المقبلة نحو تحرير أرض فلسطين.