بمجرد إعلان مرسوم رئاسي يقضي بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، جاءت المواقف الفلسطينية الرسمية والفصائلية والشعبية بين الترحيب والتحذير.
منهم من رأى الانتخابات القادمة فرصة حقيقية لطي صفحة الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة، وبناء مشروع وطني لمواجهة الأخطار والتهديدات التي تتربص بالقضية الفلسطينية.
آخرون وجدوا الانتخابات مرحلة فلسطينية جديدة ستكرس حالة الانقسام في حال عدم التزام الأطراف الفلسطينية المختلفة بنتائج هذه الانتخابات، أو ألا تحظى الفصائل التي تفوز في الانتخابات بالقبول لدى المجتمع الدولي، تمامًا كما حدث في انتخابات 2006م.
وبين الحديث عن الانتخابات وآلياتها ومواعيدها وقوائم الترشيح والمخالفات الدستورية للمراسيم، تطفو إلى المشهد مطالبات بأن يكون لفلسطينيي الخارج مشاركة فاعلة ومهمة في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وأن يختار فلسطينيو الخارج ممثليهم في مؤسسات منظمة التحرير المختلفة.
كل ما يدور في هذا الإطار هو المطالبة برفض تهميش فلسطينيي الخارج، الذي مارسته السلطة منذ توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي 1993م، والدعوة لإعادة الدور السياسي والشعبي لفلسطينيي الخارج في العمل الوطني الفلسطيني والحالة السياسية الفلسطينية والمشاركة في الانتخابات، ترشحًا وانتخابًا.
فلسطينيو الخارج الذين يشكلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني بعيدون تمامًا عن دائرة صنع القرار الفلسطيني، ولا يمثلون في مؤسسات منظمة التحرير، وهم نواة العمل الفلسطيني، والمخيمات الفلسطينية في الشتات تعد مهد الثورة الفلسطينية.
المرسوم الرئاسي بشأن إجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني حيثما أمكن -في نظري- هو محاولة من السلطة للهروب إلى الأمام من إمكانية مشاركة فلسطينيي الخارج في هذه الانتخابات، بذريعة أنه لا يمكن إجراء الانتخابات في إحدى الدول، وهكذا تقاس على مختلف أماكن وجود الشعب الفلسطيني.
الحديث بمجمله اليوم من المؤسسات والهيئات والمؤتمرات والشخصيات الوطنية الفلسطينية في الخارج؛ عن أهمية حضور ومشاركة الفلسطينيين بالشتات في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وأن يكون المجلس الوطني الفلسطيني السلطة العليا لمنظمة التحرير ممثلًا للكل الفلسطيني في الداخل والخارج.
وقبل الحديث عن انتخابات فلسطينيي الخارج هناك سؤال مهم ونقطة لا بد من التوقف عندها أولًا، وهي اقتناع فلسطينيي الخارج بالانتخابات والمشاركة فيها تصويتًا وترشحًا.
بمعنى: هل تعني الانتخابات شيئًا للاجئ الفلسطيني في مخيمات لبنان وسوريا والأردن؟ هل هناك اقتناع لدى الفلسطينيين في أوروبا ومختلف الدول والقارات بجدوى الانتخابات الفلسطينية؟ وهل يثق الفلسطينيون في الشتات بالفصائل والتيارات السياسية الفلسطينية المختلفة؟
هنا أتحدث عن الفلسطيني في الخارج غير المؤطر حزبيًّا وفصائليًّا، الفلسطيني الذي يُحرم حقوقه الإنسانية ومن العيش بكرامة، كما حال اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان.
أقصد أيضًا اللاجئ الفلسطيني في مخيمات سوريا، الذي يعاني القتل والتشريد والعذابات، ويعيش في خيمة ينام على نكبة ويفيق على مأساة.
أتحدث عن الفلسطينيين في مختلف الدول الذين يعانون أزمات اقتصادية وسياسية ومعيشية، وتشكل منظمة التحرير أحد الأطراف المساهمة في هذه القصص المؤلمة.
ولا يخفى على أحد الدور السلبي الذي تلعبه سفارات منظمة التحرير في العالم مع قصص الفلسطينيين ومعاناتهم، ويفاقم مأساة الفلسطينيين، وكذلك التعامل السياسي الكارثي لقيادة المنظمة الحالية مع ملفات الفلسطينيين في الشتات، هذا التعامل الذي ينطلق من مصلحة شخصية وليست وطنية أو لمصلحة اللاجئين الفلسطينيين.
تمامًا كما فعلت قيادة منظمة التحرير في ملف فلسطينيي سوريا، التي تخلت عن مواطنيها في المخيمات الفلسطينية بسوريا، مقابل بعض الأراضي والمقرات التي استعادتها من النظام السوري.
لذا، هل الفلسطيني في الخارج مقتنع بأن هذه الانتخابات فرصة حقيقية للتخلص من الحقبة الطويلة من التهميش وعدم المبالاة، والتضييق السياسي والإنساني الذي مارسته عليه السلطة ومنظمة التحرير المسروقة؟
ينبغي للمؤسسات والتيارات الفلسطينية التي تنادي اليوم بإشراك فلسطينيي الخارج في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني أن تفكر جيدًا في الآليات والأدوات التي يمكن بها إقناع الفلسطينيين في الخارج بأهمية مشاركتهم في الانتخابات، وتغيير الواقع السياسي الذي يعيشه الفلسطينيون في مختلف أماكن وجودهم.
من المهم أن تنجحوا في إقناع الفلسطيني بأن مشاركته في الانتخابات، واختياره من يمثله قولًا وفعلًا في المجلس الوطني بداية لنيل حقوقه الأساسية وحل أزماته الإنسانية والسياسية والقانونية ... وأن يدرك الفلسطينيون في الخارج أهمية التغيير السياسي الفلسطيني، وأن يتذوق الفلسطينيون طعم الديمقراطية التي دفعت لمثلها الشعوب العربية دماء كثيرة.
كذلك من المهم أن يجد الفلسطيني في الخارج شخصيات فلسطينية لها دور بارز ومهم وعلى احتكاك مع الفلسطينيين، لا أن تكون شخصيات مكتبية بعيدة عن هموم الشارع الفلسطيني ولا تطل على الفلسطينيين إلا من وراء الشاشات.
هذه الشخصيات الوطنية التي تستحق أن يمنحها الفلسطينيون في الخارج ثقتهم وأن تكون ممثلة لهم في المجلس الوطني الفلسطيني، لذا لا بد من الاجتهاد في قراءة هذه الشخصيات واختيارها بعناية فائقة للترشح في الانتخابات، فهي من الشعب وإلى الشعب.
من المهم أيضًا التركيز على فئة الشباب الفلسطينيين وأهمية الدور الذي يتمتعون به في مسيرة النضال الفلسطيني، فالشباب اليوم هم الأكثر قربًا من أبناء الشعب الفلسطيني لكونهم من أكثر الشرائح الذين همشتهم أوسلو حتى اليوم.
بإمكان الشباب الفلسطينيين أن يكونوا مفتاح الحل للوضع الفلسطيني الراهن، بأن يتسلموا زمام المبادرة وأن يكونوا العنوان الأبرز في أي انتخابات فلسطينية قادمة.
أرى من الجيد استطلاع آراء الفلسطينيين بالخارج في مشاركتهم في الانتخابات في هذه المرحلة، وأن تدرس مؤسسة متخصصة باستطلاعات الرأي رغبة الجمهور الفلسطيني بالخارج في المشاركة في الانتخابات القادمة من عدمها، في حال سمح لهم بالمشاركة في انتخابات المجلس الوطني.
خلاصة القول للمدافعين عن حق فلسطينيي الخارج في الانتخابات هو: البدء في إقناع الفلسطينيين بجدوى الانتخابات، وما يمكن تحقيقه من إنجاز بأدوات ووسائل مختلفة، لأنه في حال إشراك الفلسطينيين بالخارج في الانتخابات القادمة، وكانت مشاركتهم ضعيفة في الانتخابات؛ هنا تكون كل الجهود التي بذلت على مدار سنوات لاستعادة فلسطينيي الخارج دورهم في المشروع الوطني قد ذهبت أدراج الرياح.