أطلق مغردون فلسطينيون قبل أيام وسم #متواصلون للتعبير عن رفض القيود المتصاعدة التي يفرضها كيان الاحتلال على الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم، وبات بموجبها تواصل الفلسطيني في ساحة ما مع نظيره في ساحة أخرى تهمةً توجب المحاسبة، خاصة إذا تضمنت نقاشات وطنية أو كانت بهدف المؤازرة المادية أو المعنوية، ووصل الأمر إلى اعتقال بعض الناشطين من مناطق الداخل الفلسطيني والقدس بتهمة التواصل مع فلسطينيين من الضفة وغزة أو الخارج.
تجريم التواصل الفلسطيني لا يجري في اتجاه واحد، بمعنى أنه ليس محظورًا على فلسطينيي الداخل فقط، فكثيرًا ما اعتقل الاحتلال فلسطينيين من الضفة الغربية أيضًا بتهمة التواصل مع فلسطينيين من غزة أو الشتات، لا سيما إذا كان الأمر في إطار المساهمة في حملات وطنية أو إغاثية مشتركة، وأحيانًا على خلفية نقاشات سياسية بين الطرفين.
سياسات التفرقة والتقسيم هذه، وإنشاء كيانات وتجمعات منعزل بعضها عن بعضٍ تناسب أهداف المشروع الصهيوني، وهو ينتهجها على نطاقات واسعة وضيقة، فمثلما يناسبه أن يكون العالم العربي ممزقًا ومتشرذمًا ضامنًا لتفوق الصهيوني، يناسبه كذلك ألا يغدو الفلسطينيون وحدة واحدة في الضفة الغربية وغزة والداخل الفلسطيني والشتات، وأن تكون همومهم متفرقة ومتباينة لا واحدة، وألا تجمعهم قضايا محورية تستغرق مجموعهم ويتآزرون في حملها وتفعيلها والذود عنها، ولعله جرّب في محطات عديدة الأثر الذي يمكن أن تحدثه وحدة الموقف إذا توحد الفلسطينيون على قضية وأجمعوا عليها، كالدفاع عن الأقصى والانحياز للمقاومة ومجابهة الاستيطان وغير ذلك.
هذه القيود التدريجية التي فرضها الاحتلال على مجالات التواصل بين الفلسطينيين دفعت بجزء من الجمهور إلى الاستجابة لإملاءاته، والامتناع تلقائيًّا عن كثير من أنماط التواصل، حتى لو كانت لأغراض اجتماعية خالصة، وكانت النتيجة أن انشغلت كل ساحة بهمومها المحلية الخاصة، وغابت إلى حدّ ما الرؤية الشاملة العامة المدركة كنه القضية الفلسطينية وأساسها وأولوياتها.
حتى على صعيد الضفة الغربية ثمة سياسات ينتهجها الاحتلال تهدف إلى عزل الفئة المصنفة على جمهور المقاومة، إما بتصعيب حياتها واستنزافها ماديًّا ونفسيًّا بالملاحقة والاستجواب ومصادرة الممتلكات، أو بتخويف الجمهور الاقتراب منها، وتحذيره عواقب التواصل معها، وقد تتجلى آثار ذلك فيما يعانيه المحررون من السجون، حين تغلق بعض مؤسسات العمل أبوابها في وجوههم، أو تضيق خيارات التواصل الاجتماعي معهم، فضلًا عن منعهم من السفر والعلاج في مستشفيات الداخل بقرار من الاحتلال، وملاحقتهم الحثيثة بالمراقبة والترهيب، وفي ذلك كله رسالة مزدوجة لهم وللجمهور، مفادها أن هناك ثمنًا سيظل يدفعه من يرفض الاحتلال، حتى لو خرج من السجن وأراد الاندماج في الحياة العامة.
كل هذه السياسات ليست عشوائية بطبيعة الحال، وأهداف الاحتلال منها تتجاوز العامل الأمني إلى محاولة تفكيك النسيج الفلسطيني، وجعله متشظيًا ومتناثرًا ومنسلخًا عن همومه الوطنية الجديرة بالاهتمام، ولا شك أن أي استجابة لإملاءات هذه السياسة ستغري الاحتلال بانتهاج المزيد منها، لأنه يتوغل في أرضنا ووعينا بقدر ما نبدي استعدادًا للانكفاء والتراجع، وبقدر ما نبالغ في تخوفاتنا من أمور طبيعية، يفترض أنها من أبسط حقوقنا، لذلك كله لا بدّ من مجابهة عالية لهذه السياسات، شعبيًّا وقانونيًّا وإعلاميًّا، ولا بدّ أن يؤكّد سلوكنا كما خطابنا وحدة الهمّ الفلسطيني، وبقاء أصول قضيتنا متجذرة في أعماقنا، وفي مجالات اهتمامنا، وفي تحدينا الفعلي لسياسات العزل والتفرقة والتشتيت والتخويف التي لا ينفكّ الاحتلال يمارسها.