لا يزال 64 مخيمًا فلسطينيًا زرعت أوتادها عام 1948، تقف شواهد حية على النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، ورمزاً لأوجه المعاناة التي بدأت باقتلاع الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 57% من الشعب الفلسطيني من أرضه، وقد تدحرجت السنون راسمة كل عام واقعاً أسوأ من سابقه.
ولم تكن عمليات التهجير والتشريد هي المفصل الأساس في واقع مخيمات الشتات المضني، إذ صارت عرضة لنكبات اجتماعية واقتصادية وسياسية متتالية، ترافق ذلك مع نفض الجهات الدولية يدها من المسؤولية السياسية والإنسانية الملقاة على عاتقها.
وأقامت هيئة الأمم المتحدة المخيمات الفلسطينية في كل من لبنان وسوريا والأردن إبان تهجير الفلسطينيين من بلداتهم ومدنهم التي احتلتها (إسرائيل) قبل 69 عاما.
تراجع الخدمات
يقول المنسق الإقليمي لمركز العودة الفلسطيني في لندن، علي هويدي، إن المخيمات الفلسطينية على طول وجودها وانتشارها في الدول العربية أو دول الطوق من حول فلسطين في ذكرى النكبة الفلسطينية "تعيش حالة سيئة للغاية على المستوى الإنساني والحياتي والسياسي بشكل عام".
ويضيف هويدي لـ"فلسطين"، أن حالة المخيمات تشهد تراجعًا حادًا في إرفادها بالخدمات على المستوى الإغاثي والصحي والتربوي والاقتصادي، وهو ما انعكس بشكل سلبي جدًا على حياة اللاجئين بصورة مباشرة.
ويشير إلى ارتفاع نسبة البطالة في المخيمات، ونسب الفقر كذلك، والضغط المستمر على سكانها "حتى ينسى سكانها حق العودة، ويعيشوا حالة من التشريد والتهجير الجديد بعيدا عما حفروه في وجدانهم أن فلسطين هي الوجهة الأساسية".
ويلفت هويدي إلى أن من آثار حالة الضغط التي عاشتها المخيمات في السنوات الأخيرة ما تمت مشاهدته في العراق منذ عام 2003 حيث لم يتبق من لاجئيها سوى 6 آلاف من أصل 38 ألف لاجئ، و300 ألف لاجئ من أصل 480 ألف لاجئ في لبنان، وهجرة ما يوازي نصف لاجئي سوريا الفلسطينيين.
ويشدد على أن "الحالة القاسية" التي تستهدف المخيمات يراد منها بشكل واضح "تفتيت الكتلة البشرية الفلسطينية" اللاجئة، وبعثرتها في بلدان بعيدة عن فلسطين التاريخية، خدمة لأجندة إسرائيلية، وإنهاء القرارات الدولية الخاصة بحق العودة.
ويوضح المنسق الإقليمي لمركز العودة، أن 88% من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون في دول الطوق العربية، عادا خطط إبعاد وإنهاء مخيماتهم بالصور المختلفة من أهم المشاريع الاحتلالية المكشوفة.
وتتوزع المخيمات الـ64 على عدة مناطق، منها 58 مخيما مسجلة رسميا لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، تتوزع على 19 مخيما في الضفة الغربية و8 مخيمات في قطاع غزة، و 10 في الأردن و9 في سوريا و12 في لبنان.
وهناك ثلاثة مخيمات في الأردن وثلاثة أخرى في سوريا غير معترف بها لدى الأونروا. كما أن هناك أربعة مخيمات كانت قائمة في لبنان تمّ تدمير ثلاثة منها، بينما تم نقل سكان الرابع وإغلاقه.
مخيمات بائسة
ويتفق مسؤول ملف اللاجئين في حركة حماس بلبنان ياسر علي، مع هويدي، واصفاً الحديث عن واقع المخيمات بعد مرور 69 عاما من النكبة الفلسطينية بـ"الحديث المُر"، إذ إن هذه المخيمات بمن يقطنها من لاجئين تعرضت لنكبات ومحن متتالية.
ويلفت علي لـ"فلسطين"، إلى أن اللاجئين عانوا ولا يزالون من ضغط وحرمان على مختلف الأصعدة الاقتصادية والأمنية والسياسية والحياتية، فيما حملت السنوات الأخيرة مزيدا من إلقاء هذه الضغوط على كاهل المخيمات وسكانها اللاجئين.
ويعتقد المسؤول في "حماس" أن الواقع البائس يُرسم على صعيد المخيمات في لبنان التي انتزعت فيها أبسط الحقوق الإنسانية للاجئين كأن يتمكن اللاجئ من بناء منزل أو شراء آخر، أو حتى أن يعمل، حيث إن هناك 72 مهنة هو محروم منها، أو أن يسافر دون معاناة ومقت، إلى جانب تهالك البنى التحتية.
وتظهر دراسة للجامعة الأميركية في بيروت بالتعاون مع الأونروا حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين بلبنان، أن معدلات الفقر بينهم بلغت 65%، فيما يرزح 74% من فئة شباب هؤلاء اللاجئين تحت خط الفقر.
ويشدد علي، على أن السلطات اللبنانية تزعم أن عدم إعطاء اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم يصب في خدمتهم ومصلحتهم ويعزز من تشبثهم بحق العودة "إلا أن الحقيقة عكس ذلك إذ إن السياسة المفروضة دفعت آلاف الفلسطينيين للخروج من لبنان.
ويقول إن الواقع على الجانب الآخر في سوريا "حمل مأساة كبرى"، إذ إن جميع المخيمات اسُتهدفت، وحملت حالة الحرب الدائرة دمارا على منازلها وخسائر في أرواح ساكنيها، فيما لم يكن الحال الصعب الذي يعيشه اللاجئون في كل من لبنان وسوريا بعيدا عن المخيمات الفلسطينية في الأردن.
وتضاعف عدد الشعب الفلسطيني تسع مرات منذ عام 1948، ويبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" خمسة ملايين و590 ألف لاجئ فلسطيني، غير أن هؤلاء ليسوا كل اللاجئين؛ فالكثير من الفلسطينيين رفضوا التسجيل لدى الأونروا لاستغنائهم عن خدماتها، كما أن الكثير من الفلسطينيين لم يسجلوا أنفسهم لإقامتهم خارج مناطق عمل الوكالة الأممية، وفقاً لمعطيات إحصائية فلسطينية.
أما عدد اللاجئين الحقيقي فقد وصل في مطلع سنة 2017 إلى نحو ثمانية ملايين و490 ألفا يمثلون نحو 66.8% من مجموع الشعب الفلسطيني البالغ 12 مليونا و700 ألف نسمة.