ترنو قلوب الفلسطينيين وعيونهم إلى القاهرة في الأيام القليلة القادمة، حيث سيلتقي الفرقاء الفلسطينيون للتوافق على الإجراءات والآليات المطلوبة لضمان نجاح الانتخابات المقبلة أملًا في إتمام المصالحة الفلسطينية وطي صفحة الانقسام والتوافق على خطة وطنية موحدة لمواجهة التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية داخليًّا وخارجيًّا.
لا يختلف اثنان على أن الانتخابات باتت مطلبًا داخليًّا وخارجيًّا، فالشعب الفلسطيني الذي يطالب بحقه الدستوري في انتخاب قيادة تمثله منذ التاسع من يناير 2009م حين انتهت الولاية الدستورية لرئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، ومنذ ذلك الحين تصاعدت الدعوات الشعبية والفصائلية الفلسطينية لمطالبة عباس -85 عامًا- بالرحيل وإجراء الانتخابات دون جدوى.
ربما مستجدات السياسة الخارجية هي إحدى الأسباب الرئيسة التي دفعت السيد محمود عباس الذي يمتلك قرار إجراء الانتخابات إلى الموافقة اضطرارًا على إصدار مرسومها منتصف يناير الحالي، فالرجل يسعى لبناء علاقات دبلوماسية مع الرئيس الأمريكي الجديد جو بادين ويراهن على رعاية أمريكية محايدة لمفاوضات جديدة مع الاحتلال، لكنه يواجه تشكيكًا دوليًّا وعربيًّا رسميًّا بمدى تمثيله كل الفلسطينيين في ظل استمرار الانقسام.
أمَا وقد حُسِم الأمر بموافقة وترحيب الجميع على الذهاب للانتخابات، فإن الأهم اليوم هو التوافق على آليات إجرائها، وضمانات نزاهتها، والقبول بنتائجها، وهذه تتطلب وضع ميثاق شرف جامع، تمارس فيه الفصائل الفلسطينية لا سيما حركتي فتح وحماس دور الأخ الأكبر، الذي يرعى هموم الجميع، ويحرص على خدمتهم، ويقدم مصلحتهم على مصلحته حرصًا على الحفاظ على وحدة وتماسك مجتمعنا وبيتنا الكبير فلسطين.
نجاح الحوار المقبل في القاهرة يتطلب تحييدًا لقرارات عباس الأخيرة التي طعنت في استقلالية القضاء الفلسطيني بما يتناقض مع القانون الأساسي الفلسطيني، وجعلت المنظومة القضائية المُصطَنَعة سيفًا مُسلَّطًا على نتائج الانتخابات المقبلة، كما يستوجب نجاح الحوار تهيئة الأجواء قبيل الانتخابات، فاستمرار الاعتقالات السياسية والملاحقات الأمنية في الضفة، ومواصلة العقوبات الجماعية لمليوني فلسطيني في غزة، وحرمان الأسرى وأهالي الشهداء حقوقهم المالية يتناقض بالكُلّية مع حديث عباس عن "تصميمه الذهاب للانتخابات"، ويشير إلى رغبته إيهام العالم بأن شرعيته قد تجددت دون الحاجة إلى منافسة سياسية حقيقية في صندوق الانتخاب، وهذا يؤكد ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية أمس الجمعة بشأن تخطيط عباس "الذهاب إلى الانتخابات دون حركة حماس".
التوافق على تشكيل المحكمة العليا للانتخابات، وآليات إجراء الانتخابات في مدينة القدس المحتلة، وإتمام المصالحة المجتمعية ومعالجة ملف ضحايا الانقسام، والاعتراف بالمراكز القانونية في غزة، والإقرار بحقوق نواب المجلس التشريعي المنتخب عام 2006م، وضمان توفير عدالة في الترشّح والانتخاب في الانتخابات المقبلة دون ترهيب، وحيادية المؤسسات الحكومية والأمنية والإعلامية الرسمية تجاه القوائم الانتخابية، هذه جميعها بنود ينبغي التوافق عليها قبل الثاني والعشرين من مايو المقبل، موعد إجراء الانتخابات التشريعية.
دعوتنا للمجتمعين في القاهرة بعد أيام، بضرورة التمسّك بخيار الوحدة والشراكة السياسية، ومعالجة ملفات الأمن والموظفين وتوحيد السلطة القضائية على مبدأ الاعتراف بالآخر، فالضفة بها مؤسسات قائمة وجيش من الموظفين العموميين، وغزة كذلك، ولن يستقيم المجتمع الفلسطيني دون توحيد تلك المؤسسات وتقويم القرارات التي اتخذت طيلة سنوات الانقسام، والتخلي عن وهم إقصاء الآخر الذي كان سببًا في فشل جولات المصالحة طيلة السنوات الماضية.
أختم بالأحاديث التي نسمعها هنا وهناك، خاصة مع فشل جولات الحوار الفلسطيني طيلة السنوات الماضية، بسبب تعنّت السيد محمود عباس، ورفضه الاعتراف بالآخر، وخشيته الذهاب لصندوق الانتخابات في ظل وجود منافسة حقيقية. ماذا لو فشل حوار القاهرة المقبل؟ وذهب عباس لإجراء الانتخابات في الضفة دون غزة؟ أقول وبثقة إن شعبنا الفلسطيني بات مؤمنًا بضرورة الوحدة وطي صفحة الانقسام، والتوافق على برنامج وطني لمواجهة الاحتلال، وهو قادر على إفشال أي محاولات لانتزاع حقه في اختيار ممثليه ومن يتولى زمام قيادته الوطنية.