عبر رزنامة صنعها بيده، يعُدُّ ناصر شواهنة الأيام بانتظار عناق ابنته الوحيدة "أنسام"، بعد أن غيبتها قضبان السجون الإسرائيلية خمسة أعوام متواصلة.
فالبيت دون "أنسام" باهت الملامح، فهي التي كانت تضفي المرح على أجوائه، لكونها الفتاة الوحيدة بين خمسة أشقاء، فباتت الاجتماعات العائلية نادرة بعد اعتقالها.
وقد حرم الاحتلال "أنسام" إكمال دراستها الجامعية، حيث اعتقلت في عام 2016 بزعم شروعها في "تنفيذ عملية طعن لمستوطنين"، عندما كانت عائدة من تقديم اختبارات السنة الجامعية الأولى.
وتنتمي "أنسام" لبلدة "أماتين" غرب مدينة نابلس، وعُرفت بالهدوء والرزانة، حيث كانت تذهب إلى الدراسة في جامعة النجاح الوطنية وتدير حلقة لتحفيظ القرآن في المسجد القريب من منزلها، دون أي نشاطات ذات صلة بأعمال المقاومة.
وفي أثناء عودتها من الجامعة مرورًا بالقرب من مستوطنة "قدوميم" اعتدى عليها جنود الاحتلال بالضرب بزعم أنها محاولة طعن مجندة إسرائيلية، ومن ثم اعتقلت وأخضعت لتحقيق قاسٍ.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل اعتقل الاحتلال والدها الذي ذهب مسرعًا إلى مكان الحادث وتعرض لتعذيب نفسي وجسدي بادعائهم بدايةً أنها استشهدت، في حين تبيّن لاحقًا أنها فاقدة للوعي من جراء الضرب المبرح الذي تعرضت له.
ويقول شواهنة: "حاولوا بكل الطرق تثبيت تهمة تنفيذ عملية الطعن على ابنتي، لكن ردي عليهم بأنهم هم من وضعوا السكين بجانبها لتلفيق التهمة لها".
بعدها واجهت العائلة اقتحامات متكررة من جيش الاحتلال للمنزل، يتخللها أعمال تخريب واعتقال لأشقاء "أنسام"؛ بحثًا دون جدوى عن إثباتات المزاعم الإسرائيلية بانتمائها لـ"كتائب القسام"، لتخضع الفتاة لسبعة وعشرين جلسة محاكمة قبل أن تصدر بحقها محكمة سالم العسكرية حكمًا بالسجن الفعلي خمس سنوات، وعامين مع وقف التنفيذ.
ووجه الاحتلال لـ"أنسام" –وفقًا لوالدها تهم: محاولة القتل العمد والانتماء لتنظيم معادٍ، والتحريض الشفوي والكتابي، لتبدأ بعدها معاناة العائلة التي أصدر الاحتلال بحقها قرارات بالمنع الأمني، والمنع من السفر".
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ عانت العائلة كثيرًا قبل أن تسمح لها سلطات الاحتلال بزيارة ابنتها للمرة الأولى، وذلك بعد ثمانية أشهر من الاعتقال.
ويقول شواهنة: "لم نتمكن من زيارتها أنا وأمها سوى ست زيارات طيلة مدة اعتقالها، في حين لم يزرها أشقاؤها منذ عام ونصف، وأنا ووالدتها لم نزرها منذ ستة أشهر".
ويشير إلى أن ابنته لا تفصح عن أوضاعها في سجون الاحتلال حتى لا تقلقهم، ولكنه يدرك كل أوضاعها عن طريق المحامين، "فوضع أنسام وجميع الأسيرات سيئ جدًّا من حيث قلة الزيارات ورداءة الأكل ومنع الكتب وغيرها من الممارسات المخالفة للقانون الدولي".
وأضاف: "يكفي أنهم حرموها إكمال دراستها الجامعية، وهي كانت قد حازت معدل 97% في الثانوية العامة، لذلك تقضي وقتها في أخذ دورات اللغة والقرآن والسنة والتجويد لتعويض ما فاتها".
وتقضي عائلة شواهنة أيامًا ثقالًا، هي الأطول منذ اعتقالها بانتظار عودة "زهرة البيت وريحانته"، خاصة أن نفسية أشقائها وأمها في الحضيض، كما يؤكد والدها، مضيفًا: "من المفترض أن تخرج أنسام في التاسع من مارس/ آذار المقبل، وقد اشترينا منزلًا جديدًا، ونسرع في بنائه كي نستقبل "أنسام" فيه مفاجأة، ولنساعدها على تجاوز الأزمة".