فلسطين أون لاين

الثوب الفلسطيني جعلها هدفًا للإبعاد والاعتقال

الحاجة فاطمة خضر.. بخيط وصنارة تغزل حبها للمسجد الأقصى

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة- غزة/ يحيى اليعقوبي:

ثوبٌ مطرز بأصالة الأجداد، وصنارةٌ تغزل فيها حروف فلسطين وحبها لها على قطعة قماشية بيضاء، تلتف الخيوط على المربعات البيضاء بدقة، لتلمع من داخلها لوحة فلسطينية من يدي الستينية المقدسية فاطمة خضر، لكن حتى التطريز لم يرق لسلطات الاحتلال بالقدس، فاعتقلتها وأبعدتها عن القدس لأسبوع، مرَّ على هذه المقدسية كأشهر طويلة.

على الرغم من تقدمها في العمر لا تستطيع الحاجة فاطمة ترك هواية أمضت فيها جل عمرها، ورثتها عن أمها التي ورثتها عن جدتها قبل النكبة، ثم هاجرت عائلتها إلى مدينة القدس المحتلة، فبقيت قريتها "بير معين" التي هجر أهلها وما زالت تستوطن قلبها، متمسكة بكل تقاليدها، فهي تحرص على ارتداء الثوب الفلسطيني المطرز والوشاح داخل بيتها وخارجه، فكانت هدفا متنقلا لقوات الاحتلال التي لم يرق لها هذا المشهد.

"ستة أيام مرت على إبعادي عن القدس بعد اعتقال دام ساعات بمركز تحقيق تابع للاحتلال بالقدس، أعيش لاجئة بوطني، ومن حقي الوصول للأقصى للتعبد والصلاة وارتداء الثوب الذي أريد، وممارسة هواية ورثتها عن أمي وجدتي".. لم يكترث جنود الاحتلال لكل ما تقوله الحاجة فاطمة لصحيفة "فلسطين"، فهو يحاول إلغاء أي رمزية وطنية فلسطينية في القدس حتى لو كانت ثوبًا تراثيًا.

وعن سبب تمسكها بارتداء الثوب تقول: "كنت أرى أمي وجدتي ترتديانه، والكوفية التي ترمز لأهالي بلاد الشام، وهي رمز هويتنا الفلسطينية".

تجمع الغضب في صوتها وهي تبحث عن سبب اقتحام بيتها واعتقالها ومصادرة الأعلام والأوشحة المطرزة، قائلة: "أخذ جنود الاحتلال كل الأعلام، نعلم أنهم لا يريدون أي شيء يرمز للأقصى، لم يحترموا كبر سني ولا مرضي، ثم أعطوني أمر إبعاد بعد تحقيق استمر عدة ساعات".

كواليس في غرفة التحقيق

في كواليس حوارها مع ضابط الاحتلال، افتتح التحقيق بصوت وصل الحاجة فاطمة من كل اتجاهات الغرفة بعدما تردد صداه بصراخه: "أنتِ هان ساكنة بدولة (إسرائيل).. لم يتأخر رد الحاجة فاطمة: "أنا بنت القدس وفلسطين، من قبل ما تيجي، أنا موجودة هان عمري 63 سنة، وأمي عمرها 76 سنة.. فما لبث ضابط التحقيق حتى هدَّأ من حدة أسئلته وكأنه يقف أمام جبلٍ شامخٍ، متابعًا حديثه: "أنتِ ست كبيرة ليش بتعملي مشاكل؟ أنتِ عارفة أنه ممنوع تحملي الأعلام ببيتك وممنوع تكتبي عن الأقصى في دولتنا؟".

بعد سؤاله طارت من "فاطمة" ضحكة في الهواء، ثم انطلق ردها مثل رصاصة تغادر فوهة بندقية أسكتته: "كوفيتي، وثوبي، وشاحي، وعلمي هذه هويتي ورمزي، وكل نساء العالم بيعتزوا بهويتهم إلا اللي معندهمش دولة".

سلمها الضابط أمر إبعاد عن الأقصى مدة أسبوع كامل، وهي التي تعلقت روحها على بوابة الأقصى وأسواره، تتجمع هي ونسوة حيها في حارة المغاربة بمنطقة سلوان، ثم تذهب لتصلي بالأقصى وتشارك بجميع الوقفات والفعاليات الوطنية.

وتحتار الحاجة الستينية في اختيار أنسب تعليق على ذلك الأمر بعفوية: "لما تسلمت أمر الإبعاد صرت أضحك، بحكيله: كيف انتم بتدّعوا الديمقراطية، وبتعملوا هيك مع امرأة مسنة، وكل القوانين الدولية بتمنع اعتقالي؟"، مضيفة أن التطبيع العربي مع الاحتلال شجعهم على التغول علينا بالقدس.

ويملأ الحزن قلبها وهي تتابع: "حقيقة أشعرُ بالأسى حين أرى عارضة أزياء إسرائيلية ترتدي ثوبًا فلسطينيًا (..) سرقوا كل شيء".

روح معلقة

وعادة لا تكتب "فاطمة" كثيرا على صفحتها على موقع "فيسبوك"، لكن ولأجل مشاركة منشور عن الأقصى كان أمر اعتقالها وإبعادها، إضافة لهوايتها في التطريز.

وتستحضر الحاجة "فاطمة" جزءًا من تفاصيل حوارها مع ضابط الاحتلال ردا على مشاركة المنشور: "أخبرته أني لا أستطيع الكتابة طويلا بسبب كبر سني، وأخبرته أن كل ما فعلته هو مشاركة منشور يدعو لنصرة الأقصى، وهذا حقي لأني تربيت على بلاطه، والأقصى يعيش بداخلنا ولا نعيش فيه".

وتحاول الحاجة فاطمة ألا تكون متقاعدة، فبثمن التطريز توفر دخلا للعائلة يمكنها من دفع إيجار المنزل وتكاليف ضرائب الاحتلال التي تجثم على صدور أهالي القدس.

وبصوت مليء بالتحدي: "لم أفعل ما يخالف القانون، وهذه الأعلام توجد بالمحلات التجارية وتباع، وأرتدي ثوبا تراثيا وليس شيئا آخر.. على العالم أن يعلم أن الاحتلال لعنة ويعتقلنا بلا ذنب، ولا يشعر لا بصغير ولا كبير".

وتتساءل: "لماذا لا تكون المرأة سندًا لبيتها ونحن مكبلون بالضرائب المرهقة؟ ما أفعله هو لتوفير دخل بسيط لأسرتي فلدي ثلاثة أولاد منهم من لا يعمل، خاصة مع ظروف أزمة فيروس كورونا".

هذه المرة تغزل حبها لأولى القبلتين: "أعشق الأقصى، وأعرف كل بلاطة فيه، يسكن حبه في قلبي، ويعز علي فراقه لستة أيام، العام الماضي أبعدوني عشرة أيام مضت كعشر سنين".