فلسطين أون لاين

سوسنيات (11) - رشفة روح

...
بقلم/ الأسير سعيد ذياب

كانت لحظة اختزلت بفجأتها سنوات كنا فيها أسرى المكان، نواجه سهام حياة اللاحياة ورزايا الزمان..

جميلًا كان..

ساحرًا مبهرًا متألقًا متأنقًا لامعًا يجذب لواحظ الروح لحسنه الفتان..

هي المرة الأولى التي أراني ألتمس فيها من ضعفي، يذكرني ببقايا ظلال من إنسانية سكنت هذا الكيان..

حينها كانت حاضرة تعشق الحياة وتألف الروائع ويؤنسها الجمال قبل أن تبتلعها قسوة الأسوار وتواريها برودة العتمات لتدفنها في غياهب قهر يترعرع خصبه في تربة النسيان..

ألقيت ما في يدي ووقفت أتملاه، أغرف لروحي من صفو سناه..

وحده كان..

متباهيًا بجماله الطاغي يتربع في صفاء صفحة السماء..

كملكٍ كان..

يلف الكون الفسيح بجوانحه التي أحاطت كتلة الليل، فالتمع بوهجها كل شيء، حتى النجوم استطابت فاستدارت حول سلطانه، وراحت تغازله كحاشية تخشى سطوة مليكها؛ فترجو رضاه بإذعان..

‎أما المكانُ فكان!

ساحة أشبه بممر فسيح بعض الشيء بلا جدران..

النظر مسموح غير محجوب، فلا سقوف ولا حواجز، سماء مشرعة الأركان..

ويح نفسي! أحقيقة ما أرى؟! أم هو الإجهاد والتعب وثقل الأحمال بعد سفر طويل أفضى لهذا الهذيان؟

سألت من يشاركني القيد، أترى ما أرى؟ لم يلتفت حتى! أراد مني الاستمرار في المسير فقد تأخرنا عن الركب، وبدأ في الصراخ سجان..

حملت أحمالي وسرت مُسلمًا إليه قِياد النظر، عدة خطوات بعدها وابتلعتني مرة أخرى ظلمة الجدران!

لم أرَ (البدر) قبلها! هكذا أدعي، ولم أره من يومها، فما كل من له عين يرى، وما كل من طَعِم الرشفة غير الظمآن.

‎- معبار سجن السبع هو المكان.

-الساعة الثانية فجرًا قبل عام من الآن هو الزمان.

- ملحوظتان:

1- في أثناء نقلي من سجن هداريم إلى سجن نفحة كان ما كان.

2- المعبار: عبارة عن زنازين ينزل فيها الأسرى عدة ساعات وربما أيامًا في أثناء نقلهم من سجن إلى آخر.

وعادة ما يكون مكتظًّا (بالمسافرين)، وبكثير مما لا يستحسن ذكره من أنواع القذارات، والله المستعان.