في شهادته أمام الكونغرس سوّغ طوني بلينكن دعمه حل الدولتين، بالمصلحة الإسرائيلية في الجمع بين يهودية "الدولة العبرية" وديمقراطيتها، لسان حاله يقول: لا يمكن لـ(إسرائيل) أن تظل دولة يهودية متفوقة ديموغرافيًّا، وهي تسيطر على أكثر من سبعة ملايين فلسطيني، ولا يمكن لـ(إسرائيل) أن تظل دولة ديمقراطية، وهي تعتمد – عمليًّا وقانونيًّا– نظامًا للتمييز العنصري ضد الفلسطينيين، ولا يمكن لأصدقاء (إسرائيل) في نهاية المطاف أن يتقبلوا فكرة الدفاع عن "العنصرية" و"التفوق العرقي"، وهم الذين اكتووا بنيران العنصرية والشعبوية والتطرف اليمين ونظريات "تفوق الرجل الأبيض".
لا جديد في أطروحات بلينكن، فطالما كانت في صلب الجدل بين المدارس السياسية والفكرية الصهيونية، في (إسرائيل) وخارجها، معظم -إن لم نقل جميع- المنافحين منهم عن "حل الدولتين" ينطلقون من حاجة (إسرائيل) الوجودية لـ"الانفصال عن الفلسطينيين"، للحفاظ على يهودية الدولة وديمقراطيتها، فهما شرط بقائها وديمومتها، ومتطلب مسبق لاستمرار حصولها على الدعم المطلق، وغير المشروط، من الولايات المتحدة، وبعض الأوساط الغربية.
عند هؤلاء لا يعني قبول "حل الدولتين" إدراكًا عميقًا لحاجة الفلسطينيين وحقهم في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، ولا تصحيحًا لمظلمة تاريخية، بدأت منذ وعد بلفور واستمرت حتى يومنا هذا، عند هؤلاء حل الدولتين هو إنقاذ لـ(إسرائيل) من جشع يمينها المتطرف ونهمه لابتلاع المزيد من الأرض والحقوق والمقدسات، ودائمًا بحجج وذرائع توراتية زائفة، لا تصمد طويلًا أمام حقائق التاريخ وعلوم الآثار والأديان والأنثروبولوجي.
قد يقول قائل: وما حاجتنا لسبر أغوار النفوس والنيات ما دام "القوم" يؤيدون "حل الدولتين"؟ المهم أن تكون هناك دولة فلسطينية إلى جانب (إسرائيل)، يستوي الأمر أكان ذلك خدمة للفلسطينيين أم حرصًا على مستقبل (إسرائيل)، دولةً يهودية وديمقراطية.
في الحقيقة أن للأمر صلة لا تخطئها العين بالمآلات النهائية للحل النهائي للقضية الفلسطينية، فصفقة القرن على سبيل المثال (وهي المشروع الأكثر رداءة في تاريخ المبادرات الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي) نهضت على فكرة "انفصال" اليهود عن الفلسطينيين، ومنحت هؤلاء كيانًا هجينًا، هو بمنزلة أرخبيل من الجزر الممزقة والمعزولة، كيانًا لا يتوافر فيه أي عنصر من عناصر الدولة، سوى العلم وجواز السفر، ودائمًا المنطلق الحفاظ على النقاء العرقي/الديني للدولة العبرية.
وحل الدولتين حين ينطلق من نظرية "الانفصال"، وليس من قيم تقرير المصير وحقوق الإنسان والعدالة ومبادئ القانون الدولي، لا يعتني كثيرًا بسيادة الدولة ومساحتها وحدودها، المهم أن يتحقق انفصال الكتل السكانية الفلسطينية الكبرى، عن (إسرائيل)، حلٌّ هذه هي منطلقاته ليس معنيًّا، لا اليوم ولا بعد مئة عام، بقضية اللاجئين الفلسطينيين في الشتات والمهاجر، بل إنه يشترط إسقاط حق هؤلاء في العودة، قبل الاعتراف بأي كيان فلسطيني ناشئ على جزء من الأراضي المحتلة عام 67، سواء ضاق أم اتسع، من تحركه "نظرية الانفصال" لا يمكن أن يقبل العودة.
نقول ذلك، ونحن نرى انتعاشًا في الآمال والرهانات على "حل الدولتين"، ولست أجد تعبيرًا مضللًا كهذا، يقصد به كل فريق شيئًا مغايرًا لما يذهب إليه الفريق الآخر. وأرجو أن نتذكر جميعًا أن "زعيم اليمين الشعبوي المتطرف" في (إسرائيل) سبق أن قبل "حل الدولتين" في خطابه الشهير في جامعة (بار إيلان) قبل أزيد من عقد من الزمان، وتذكروا ما تحدث به قبل أسابيع، عن كيان بلا سيادة ولا قدس ولا حدود مع الأردن، ولْيُسَمِّه الفلسطينيون إمبراطورية أو جمهورية عظمى، أليس هذا ما ذهب إليه نتنياهو ورهط من قادة اليمين الإسرائيلي والأمريكي؟