قائمة الموقع

صناعة الصابون.. مهنة "نعمة" لمواجهة الفقر بريف الضفة

2021-01-25T09:18:00+02:00

أحاط الفقر بها من كل الجهات، وزادت حدته مع انتشار فيروس "كورونا"، إلى أن زارتها جارتها وطرحت عليها فكرة صناعة الصابون البلدي من زيت الزيتون القديم أو شبه المنتهية صالحيته، وهو ما كان، إذ باتت حرفة تكتسب منها رزق عيشها.

ما سبق هو حال نعمة الحاج مطرواي من بلدة المزرعة الغربية شمال غرب رام الله، فهي مع خيوط الشمس تصحو بهمة ونشاط كبيرين، وتغلي زيت الزيتون فوق قدر كبير جدًّا تطلق عليه اسم "برميل" أو" بكرج"، وتضع الحطب أسفله كي تكون الحرارة أعلى.

عملية صناعة الصابون قد تكون صعبة في نظر من لا يعرف كيفيتها، فنعمة بعد غلي الزيت أضافت إليه مادة كيميائية هي "الأطرونة" أو "هيدروكسيد الصوديوم" ليخرج بعد ساعات على شكل قطع صغيرة مربعة جميلة من الصابون البلدي، الذي تكسبه بعض الروائح الطيبة حسب رغبة المشتري في رام الله المحتلة.

تبين نعمة التي بدت عليها السعادة أنها بصناعة الصابون البلدي تقوي وتعزز اقتصادها المنزلي، فالحياة صعبة والأسعار باهظة وغالية جدًّا، ومع "كورونا" صارت الحياة أقسى، ولا بد من العمل في حرفة أو صنعة يتقنها الإنسان حتى يتغلب على مشاق الحياة، فالمصاريف تزداد يومًا بعد يوم.

مراحل صناعة الصابون ليست بالشاقة، تقول نعمة: "نحضر زيت الزيتون، ومادة "الأطرونة" بنسب معينة؛ بحيث كل واحد كيلوغرام من زيت الزيتون ينتج تسعة قوالب صابون بلدي، مع ضرورة تحريكه بطريقة معينة في أثناء غليانه على النار، ثم نضيف إليه الألوان والروائح وما يلزم، ثم يغلف بعد ذلك ويباع".

وتضيف: "يطبخ على نار خفيفة بداية باستعمال الحطب مادة متوافرة ورخيصة في الأرياف، وتستغرق العملية نحو ست ساعات، ثم ينقل الصابون اللين ويوضع في مقاطع مخصصة ويترك حتى يتجمد ثم يقطع إلى ألواح مكعبة تبقى عرضة للهواء كي تجف، فتحصل بذلك على صابون بلدي نظيف".

ولا تتردد نعمة بأخذ أجرة 100 شيقل عن عملها لمن أراد أن يطبخ الصابون له فقط؛ فهناك من يفضل الصابون البلدي على الصابون الكيميائي أو المستورد.

ويلفت المواطن ناصر المصري إلى أنه لا يستخدم سوى الصابون البلدي في الحمام أو الغسل، لكونه تقليدًا ورثه وعادة جميلة، وهو برأي الأطباء أكثر فائدة للصحة من الكيميائي، كما يقول.

نعمة نجحت في تكوين مجموعة من الزبائن لها كل عام بعد موسم الزيتون أو قبله؛ إذ يصلح الزيت القديم الذي مضى عليه سنوات في التخزين لصناعة الصابون، وتمكنت من إنتاج الصابون البلدي بقوالب جديدة، وأحيانًا تلونه حسب طلب الزبون الذي يكون في الغالب من الجيل القديم.

ووفقًا لما جاء في الموسوعة الفلسطينية إن طبخة الصابون يلزمها تعب ووقت كبيران نسبيًّا؛ وأحيانًا أكثر من 24 ساعة حسب قوة النيران؛ تتوزع على عدة مراحل بدءًا من التحضير حتى التقطيع، ويدخل في التركيبة ثلاث مواد رئيسة هي: زيت الزيتون، و"الأطرونة"، والماء، والملح، وتختلف الكميات باختلاف حجم الطبخة، لكن المعايير ترتبط بنسب مئوية يجب مراعاتها لتسهيل عملية الطبخ وجودة الإنتاج.

وتؤكد نعمة أن الصابون البلدي هو صناعة تراثية جميلة؛ وعلاج لشد البشرة ومنع الترهلات والهالات السوداء تحت العيون، ويقوي الشعر ويزيل قشرة الرأس، ويساعد على نمو الشعر وتقوية الأظافر وعلاج تشققات الأقدام، ويعالج البشرة الجافة ويعمل على تليين الجلد ومحاربة التجاعيد، ويستخدم مادة لجبر كسور العظام بالطريقة الشعبية.

وتشير الموسوعة إلى أن صناعة الصابون في فلسطين تعود إلى أكثر من ألف عام مضت، فدوّنها الرحالة والمؤرخون القدماء إذ قيل: "إنه كان يصنع في مدينة نابلس ويحمل إلى سائر البلاد"؛ إلا أن ريف الضفة والكثير من مواطني المدن -كبار السن تحديدًا- يفضلون الصابون البلدي المصنع من زيت الزيتون الصافي، وما زال صامدًا بعض الشيء أمام غزو المنتجات الكيميائية من الصابون والشامبو وغيرهما من مواد التنظيف.

اخبار ذات صلة