سيناريو القائمة المشتركة لاقى استهجانًا من الشارع الفلسطيني وانتقدته النخب معتبرة ذلك التفافًا على ارادة الجماهير، ومنهم من عده استهبالًا سياسيًّا، بل انتهازية مقيتة لتثبيت المصالح، ومخالفة واضحة للمنطق في ظل صراع البرامج السياسية بين الحركتين، وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك في اعتبار هذه الصيغة محاولة للانقلاب على ارادة الجماهير
فالخوف الفلسطيني نابع من عدم قدرة الفلسطينيين على فرز قيادة جديدة في ظل الوضع المتردي التي تمر به الحالة الفلسطينية، وعدم قناعة الكثيرين لظهور برنامج مشترك لأكبر فصيلين سياسيين كل منهما له برنامج مغاير تماما عن الاخر، فحركة حماس تؤمن بالمقاومة بكل أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين، وتجرم أي علاقة مع الاحتلال، بينما تعتبر حركة فتح مشروع التسوية ودعم جهود السلام وإعادة المفاوضات سبيلًا بل إستراتيجية لنيل الحقوق واقامة الدولة.
ويعتبر كثيرون أن هذا التحالف في القائمة يضيق الهامش أمام باقي المرشحين ويشكل التفافًا على ارادة الشعب، والذي له الحق وحده في اختيار الأشخاص والبرامج التي يريدها خروجًا من الأزمات الراهنة، الأمر ذاته يؤثر في مبدأ تعزيز التعددية السياسية، ويقطع الطريق أمام تنفيذ انتخابات حرة ونزيهة، ويفرز ما يوصف "بمجلس الأعيان" الذي يكرّس واقعًا سياسيًّا صعبًا ومعقدًا يكون غير قادر على إحداث الاختراق المطلوب، ويفرغ الانتخابات من قيمتها ومضمونها الحقيقي.
لكن قد تكون هناك حسابات أخرى مخالفة لهذا التقدير لكون القائمة المشتركة ربما تشكل خيارًا وفرصة جديدة لخلق بيئة صحية للتوافق وتقريب وجهات النظر، ومحاولة متقدمة لإعداد برنامج توافقي جديد يكون قادرًا على تلبية حاجة الجمهور، ويشكل مسارا جديدا للعمل بين الحركتين، ويضيف ضمانات لخفض مستوى التوتر وتقليل هامش الخلافات، وتفادي حالة الاحتدام، وتوفير ظروف انتخابية أفضل خصوصا في ظل سيطرة الحركتين على مناطق جغرافية كبرى.
فحركة فتح تسيطر وتمارس نفوذها في الضفة الغربية وكذلك حركة حماس في غزة، كما أن هذه القائمة يمكن أن تعطي مساحات أكبر لكوادر حركة حماس للتحرك بأريحية ونيل فرص "مناسبة وأمنة" بعيدا عن مشاهد الملاحقة والمداهمة التي تنفذها أجهزة السلطة لمنع الحركة من تنفيذ دعايتها أو تقديم مرشحيها، وكذلك حركة فتح لديها خوف متزايد من فوز حركة حماس واكتساحها في مناطق كبرى، لذلك ترى من الضروري بحث هذا الخيار لأنه يشكل فرصة لنيل حظوظ أفضل.
وعلى الرغم من ذلك فإن مباحثات تُجرى في الأطر الداخلية داخل كلا من الحركتين لمناقشة الخطوات المقبلة والخيارات المطروحة، وتحديد أفضل الفرص المتاحة في هذا السياق، إلا أن حماس لم تؤكد تبنيها لهذا الخيار حتى الان أو حتى رفضه فهو ربما يبقى قيد الدراسة لاتخاذ قرار فيه إلى جانب خيارات أخرى.
أما فتح فلا تزال تجري مشاوراتها الساخنة في ظل حالة الحرد والغضب من عدم قدرة عباس على توحيد فتح في قائمة واحدة، هذا بالإضافة للخلافات حول اسماء الشخصيات المطروحة التي توضع على (أساس ولائي) لفريق الرئاسة، بعيدا عن ما تطرحه وترشحه المناطق والذي يكون على أية حال أفضل للحركة، لان تقديم فتح لشخصيات ليست وازنة، وظهورها بعدة قوائم أمر مضر وسيكون له تبعات كارثية على قيادة فتح وحظوظها المقبلة.
ولكون هذه الحركة لديها ارتباطات ومصالح وجزء من برامجها ينسجم مع خطط وتوجهات وبرامج دول في المنطقة سارعت أجهزة مخابرات عربية للتدخل والتوسط للضغط على رئيس السلطة لمحاولة جمع شتات فتح ودمج كل قواها في قائمة واحدة، خشية من تشتت أصوات الحركة ولقطع الطريق على فوز ساحق ومحتمل لحركة حماس في ظل تماسكها وثبات برنامجها وقدرتها على تعبئة الجماهير بطريقة تفتقدها حركة فتح.
لكن في تقديري أن عباس غاضب حتى الآن من خصمه الأكبر داخل فتح ويرفض الاستجابة، ويحاول الإفلات من الضغوط والوساطات العربية التي لا ترى مبررا لتصرفات عباس وتعدها (انتحارًا سياسيًّا)، في ظل رهان مصير الحركة لمواقف شخصية في ظروف حرجة ومصيرية، أمام قوة سياسية وجماهيرية متعاظمة تقودها حماس قد تؤدي لتغيير المشهد كاملا إذا لم تضمد فتح جراحها وتكسر فيتو عباس.