وأخيرًا تمّ تنصيب بايدن رئيسًا في البيت الأبيض برقم (٤٦) بين الرؤساء الأمريكيين. في الفترة التي أوعاها عرفتُ من الرؤساء: جون كينيدي، ثم نيكسون، ثم فورد، ثم كارتر، ثم ريجان، ثم بوش الأب، ثم كلنتون، ثم بوش الابن، ثم أوباما، ثم ترامب ثم جون بايدن. أي عايشت ما يزيد على عشرة رؤساء أمريكيين، في حين عايشت بفلسطين في هذه المدة الطويلة ياسر عرفات ثم محمود عباس، وربما عايشت محمود عباس أكثر مما عايشت من رؤساء أمريكا. ومع هذه المفارقة واسعة النطاق نجد من يتحدث عن الديمقراطية الفلسطينية، ويقدمون حالها في بلادنا وكأننا أكثر تقدُّمًا من أمريكا بعد أحداث الكابيتول الأخيرة.
أليس في هذا ما يؤسف وما يبعث الحزن في النفوس؟ فلسطين التي تكافح من أجل الحرية والحياة الكريمة، لم تعرف منظمة التحرير التي يصفونها بأنها مظلة الشعب كل الشعب الفلسطيني رئيسًا غير عرفات وعباس. ولم تصل فلسطين في ظل قيادتهما للسلطة لأي من أهداف الشعب، فلا حرية، ولا تحرير للأرض، ولا دولة، ولا حق عودة، بل تنسيق أمني مع الاحتلال، وقمع لكل من يريد أن يقاوم الاحتلال، وتعلُّق غير منطقي برؤساء أمريكا رجاء في المساعدة في حل سياسي منصف، ثم جاء ترامب فقطع كل أمل لدى قادة المفاوضات، ثم هذا بايدن نائب أوباما قد تولى الرئاسة في البيت الأبيض وها نحن في السلطة نجري وراء بايدن، ونحن نعلم أنه لن يتجاوز سياسة أوباما، بل هو لن يراجع ما صنعه ترامب في القدس، وسيحافظ عليه، وعلى علاقة أمنية وعسكرية مع دولة الاحتلال.
إذا كان أوباما لم يقدم للفلسطينيين شيئًا ذا مغزى، فهل سيقدِّم جون بايدن شيئا يتجاوز فيه أوباما، وكل المؤشرات تقول إنه لن يأتي للفلسطينيين بلبن المفاوضات، كما تحلم العاشق بلبن العصافير، وهل للعصافير لبن في الأصل، كل ما يمكن أن يفعله بايدن هو دعوة الأطراف إلى العودة للتفاوض.
نحن في فلسطين نشعر بيأس تراكمي عالي المستوى من القيادات الأمريكية، ونشعر بيأس أيضًا من حالة الديمقراطية الفلسطينية ومن مُضي سنوات طويلة على منظمة التحرير دون أن يتحقق معها تقدم ذو مغزى، وكأننا لا نعيش الزمن، ولا نحسب للوقت حسابًا، في حين يتقدم الاحتلال في كل نهار وليل في الاستيلاء على الأرض وبناء المستوطنات وتهويد ما يمكن تهويده داخل القدس وخارجها. ليس مع المفاوضات لبن، وليس في الزمن غير الفعل، فإذا غاب الفعل غاب الإحساس بالزمن، كالميت فإنه لا يشعر بالزمن لأنه لا يعيش أحداثًا، ومن ثم إذا سألته سؤال أهل الكهف، قال: لبثتُ يومًا أو بعض يوم.