فلسطين أون لاين

داخل مستشفى غزة الأوروبي لمواجهة كورونا

الحكيمة إيمان.. في عملها عاشت قصص "الفرح والوجع"

...
ايمان سلمان
غزة/ صفاء عاشور:

لا تزال الحكيمة إيمان سلمان تتذكر أول أيام دوامها في مستشفى غزة الأوروبي الذي بات يعرف بمستشفى "الوبائيات" حيث تُرسل إليه الحالات الصعبة المصابة بفيروس كورونا، واللحظات الأولى لها، والرعب من المشاهد التي رأتها، وأنين المرضى، ووالدها في البيت الذي ينتظر عودتها، والكثير الكثير.

ما يعانيه ويمر به الأطباء والحكماء في معالجة مصابي كورونا يختلف عن أي شيء آخر يمكن أن يكون قد مروا به في حياتهم العملية قبل ذلك؛ وهذا ما أثبتته التجربة لرئيس قسم باطنة حريم الحكيمة إيمان سلمان التي عملت في المجال الطبي لأكثر من 16 عاما.

تجربة مختلفة بكل المقاييس تلك التي مرت بها إيمان منذ التاريخ الذي حُفر في ذاكرتها ولا يمكن أن تنساه أبدا، وهو الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عندما استُدعيت للعودة للعمل في مستشفى غزة الأوروبي بعد انقطاع دام شهرا لارتباطها بالعمل في مكان آخر.

تصف في حديث مع صحيفة "فلسطين" أول يوم بأنه "كان مخيفاً، وصادماً، وغريباً ومرعباً، ويحمل الكثير من اللوم لنفسي لأني لم أرفض مهمة العمل في داخل هذا المستشفى، فلدي من الأعذار ما يمكن قبولها"، مستدركة:" ولكنها فترة ومرت".

وتتابع إيمان (40 عاما): "وعيش في بيت العائلة مع أبي الكبير في السن حيث يبلغ 85 عاما وهو مريض ومقعد"، مبينة أن موعد عملها في مستشفى الوبائيات حُدد بعد انتهاء عمل المجموعات الثلاث التي اختيرت منذ ظهور جائحة كورونا في قطاع غزة.

وتضيف:" في أول يوم عمل توجهت للمستشفى الذي اعتدته لأجده مكاناً مختلفاً، مخيفاً، فمن أجل تهيئة المستشفى لاستقبال الحالات قُلِب 180 درجة".

وما تزال إيمان قادرة على استرجاع أحداث لن تنساها عندما دخلت المستشفى.

شعورها بالمسئولية وأمانة المهمة الملقاة على عاتقها دفعاها إلى استجماع ما كانت تحفظه من قوة داخلها لتبدأ أول أيام عملها في المستشفى الذي وجدت فيه من الصعوبة ما وجدت بسبب ارتدائها نظارة كانت دائماً مغطاة بزفير نفسها وهو ما سبب لها صعوبة في الرؤية في كثير من المرات.

أصعب ما مر عليها كما تقول إيمان، في بداية عملها في المستشفى هو عند عودتها لمنزلها ومقابلتها والدها المسن، حيث كانت عندما تجلس أمامه ورغم ارتدائها للكمامة الطبية فإنها تأخذ الشهيق ولا تخرج الزفير خوفا من أن تصيبه أي عدوى قد تكون حملتها دون أن تدري.

أما فيما يخص نظرات الناس لها، تبين أن الجميع كان حذرا في التعامل معها، منذ أول دقيقة تخرج فيها من المنزل حتى عودتها، إضافة إلى تنمر بعض الأطفال وتفوههم ببعض الألفاظ والاشارة لها باسم الفيروس.

وتنبه الحكيمة إلى أنها كانت حريصة بشدة على اتباع إجراءات التعقيم والسلامة المعتمدة في المستشفى وداخل البيت لضمان عدم إصابتها أو أي فرد من أسرتها.

والآن بعد مرور أربعة أشهر على عملها اليومي وذهابها وعودتها من وإلى مستشفى الوبائيات، أصبح من حولها معتاداً على عملها داخل المستشفى مع الأخذ بالاحتياطات اللازمة للوقاية.

من مسافة صفر

تبين إيمان أن عمل أي شخص داخل المستشفى يكون من مسافة صفر مع المرضى المصابين بفيروس كورونا، لذلك لا مجال للابتعاد أو الحديث معهم بإيجاز، فالجميع مطالب بأن يمارس دوره الطبي، المعنوي، الدعم النفسي وغيرها من الأدوار التي فرضت على الطواقم الطبية بسبب هذه الجائحة.

ولا تزال ذاكرة إيمان زاخرة بالكثير من القصص المؤثرة التي تركت في قلبها وجعا وفرحا فالوجع ارتبط بموت المصاب وانهيار مرافقيه وأقاربه، والفرح بنجاة حالات نجحت بالفرار من محاولات الفيروس الذي سعى لتدمير أجسادهم ولكن بكل قوتهم تغلبوا عليه.

وتكمل :"كل حالة أصيبت بفيروس كورونا كانت لها قصة تستحق أن تروى دون أن نقلل من شأن أي واحدة، سواء من مات أو بقي حيا، فالكل يستحق أن نتحدث عنه سواء كان مريضاً أو معالجاً أو حتى مرافقاً".