يجب أن يتذكر جيدًا كل مرشح في إحدى القوائم الانتخابية أن الأمر ليس فرصة للشهرة والفوز بالمنصب وجمع المكاسب الحكومية فهذه الانتخابات جاءت في ظروف حرجة وبعد سنوات من المعاناة في الأراضي الفلسطينية، والتي لاقى فيها شعبنا العذابات والويلات، وحصد مزيدًا من خيبات الأمل من حقبة سابقة بغض النظر عن الظروف والأسباب، لذلك فإنه يتطلع لنافذة الأمل التي يمكن أن تخترق جدار المعاناة وتنقله لبيئة وظروف ومستقبل أفضل.
لذلك فليفكر جيدًا الطامحون ومن أصابهم الشغف قبل أن يتورطوا ويورطوا شعبنا في تجارب خاسرة، لأن من يريد أن يزاحم دون أن يكون له برنامج، ودون أن يكون لديه القدرة والاستعداد على خدمة الناس يصبح محطًّا للانتقاد بل للسخط العام، وينضم إلى قوائم الشخصيات الفاسدة والمنتفخة من المناصب التي مرت على شعبنا طوال مسيرته النضالية.
وأعرف شخصيًّا العشرات من الشخصيات المحترمة التي رفضت عروضًا مغرية للدخول في الانتخابات في مرات سابقة لكونها تتمتع بسمعة طيبة ولها وزن اجتماعي وثقل جماهيري لقربها من الناس، لكنها فضلت عدم خداع شعبنا في ظل عدم قدرتها على تقديم شيء جديد في ظل تفاقم القضايا وازدحام الملفات.
وهذا لا ينفي وجود شخصيات محترمة في قوائم سابقة لكنها كانت عاجزة وغير قادرة على التغيير الحقيقي لأسباب مختلفة، وبانتهاء الفترة السابقة انتهى دورها وحرق رصيدها، وأصبحت أكثر طمعا في التقاعد بسبب الأعباء الثقيلة وشعورها بالإحباط أمام حاجة ومطالب الجماهير في ظل عدم القدرة على الإنجاز.
وهذا يجعلني أتوقف أيضًا عند بعض الهواة الذين بدؤوا يسوقون لأنفسهم بأنهم شخصيات اعتبارية ومهمة وصاحبة حظوظ في المرحلة المقبلة نتيجة بعض الإنجازات أو المبادرات المتواضعة أو قربهم من بعض القادة موقنين أنهم يحملون العقار العلاجي المناسب لحل المشكلات الفلسطينية المعقدة.
وقد أضحكني بعضهم بحديثه عن الاتصالات التي بدأت تنهمر من كل اتجاه عليه لترتيبه في قوائم قوية، يكون متصدرًا فيها الأسماء الأولى، وزعمه أنه يرغب في التفكير لأنه يريد عرضًا مناسبًا، وكأن الأمر مزحة أو لعبة كوتشينة عند البعض ليستعرض علينا بعض أمراضه النفسية، فمن يحترم نفسه يشعر بالخجل في هذا الموقف بل يشعر بالخوف من تحمل هذه الامانة ويتردد ألف مرة قبل أن يوافق.
فمن العيب أن تتقدم شخصيات ليست وزانة بالقدر الذي يؤهلها لتحمل المسؤولية الأخلاقية والوطنية تجاه شعبنا، وعار على كل فصيل أن يقدم شخصيات مستنزفة ومحروقة، لأن ذلك سيكون وبالًا عليه وعلى حظوظه واختياراته التي سيحسم مصيرها الجماهير، فشعبنا واعٍ ويراقب ويفهم جيدًا وتولدت في ذاكرته رزم من الملاحظات على شخصيات سرقت أصوات الجماهير وقفزت للفرصة ثم أدارت ظهرها له بل بصقت على مجده وتضحياته وخيبت آمال الجميع.
هذا الشعب الذي لم يخرج مهللًا ولا مكبرًا ليلة أمس عقب إعلان رئيس السلطة لمرسوم الانتخابات على الرغم من رغبته في التغيير وشوقه لإجراء الانتخابات لكن الانتكاسات التي تعرض لها بجميع مكوناته جعلته غير قادر على التعبير عن فرحته ويبقى صامتًا أو خائفًا يترقب مصير هذه الخطوة.
فالأمر أكبر من فرصة أو محاصصة أو مطامع حزبية في السلطة، إنما أمانة كبيرة وعظيمة لا أعتقد أن كثيرين يمكن أن يكونوا قادرين على تحملها على الرغم من حلاوة كلامهم وأناقة شخصياتهم ومنطقهم المتزن في طرح الموضوعات، وشهاداتهم العلمية التي حصدت درجات الامتياز ضمن فضاء المراسلة.
فمن يريد أن يتقدم فليفحص نفسه جيدًا ويسألها هل هو قادر على معالجة ملفات متراكمة من عشرات السنوات؟ هل هو قادر على التغيير؟ هل هو جاهز لمواجهة الناس بالحقائق؟ هل هو مستعد للاستقالة في حال عجزه أم أنه سيدفن رأسه في التراب؟ كل ذلك وأكثر يجب أن يدور في نفس كل مرشح وطني قادم.