فلسطين أون لاين

رجل لا يزال يتحدى الاحتلال شهيدًا

السمات التي امتلكها الشهيد "سعيد صيام" ومنحته 76 ألف صوت انتخابي

...
الشهيد القائد سعيد صيام (أرشيف)
غزة/ يحيى اليعقوبي:

قرارته الصارمة التي شكَّلت نقطة تغيير في التاريخ الفلسطيني وبنت عقيدة أمنية أعادت الهيبة لرجل الشرطة، سبقتها شخصية امتازت برِقَّة القلب، كان قريبًا من الناس يتواجد بين مفاصل الهموم ويحلها بنفسه مهما كثرت وكبر حجمها، منحه الناس ثقتهم فحصل على أعلى نسبة تصويت على الإطلاق في الانتخابات التشريعية عام 2006 التي فازت فيها حركة حماس بأغلب مقاعد المجلس، بحصوله على 76 ألف صوت على مستوى مدينة غزة، وهو رقم قياسي لم يصل إليه أي نائب غيره.

صاحب الملامح الهادئة تغطيها لحية وشعر أبيض، مثل "بياض قلبه" هكذا أقر كثيرون ممن عرفوه وتعاملوا معه، وبعضٌ ممن لم يجدوا علاقة بين صفات اتسمت غالبيتها بالرقة وتوليه منصب وزير الداخلية، إلا بعد اتخاذه قرارًا مصيريًّا، حينما وجد صعوبة في التعامل مع قادة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، ليجد نفسه أمام قرار اتخاذ تشكيل القوة التنفيذية في وقت كانت غزة مسرحًا لفلتان أمني تفرض فيه سطوة العائلات نفسها وتتحكم في القطاع.

محبة لم تأتِ من فراغ

"حقيقة موضوع المحبة هي ملكات شخصية، كل إنسان يتميز بشيء مختلف، كانت لدى أبي ملكة القرب من الناس، كان قريبًا من الناس يتماهى مع مشاكلهم ويمشي في حاجاتهم وحلها، والوقوف عند احتياجاتهم، فضلًا عن الكاريزما وسماته الشخصية، فكان خطيبًا مفوَّهًا ومُصلِحًا اجتماعيًّا ومُدرِّسًا في مدارس "الأونروا"، هكذا وصف مصعب صيام (39 عامًا) والده الشهيد الوزير.

"رقة قلب" مع رجل "أمني" ربما متباعدتان، ابنه مصعب يجد علاقة بينهما، يقول لصحيفة "فلسطين": "كثيرون أيضًا تساءلوا ولا يزالون يبحثون عن السر، كيف لرجل مُدرِّس وخطيب مسجد، رقيق القلب، أن يكون ووزيرًا للداخلية ويحكم بهذه الصرامة، وأقول: "إنه حكم القطاع بالتقوى، ومعناها: أن يكون حازمًا في الموقف الذي يتطلب ذلك، وأن يكون حليمًا في المواقف التي كانت بحاجة لمعالجة مجتمعية بعيدًا عن القوة".

استخدم صيام التقوى في إنصاف الناس وإعطائهم حقوقهم، لا يدع شاردة ولا واردة في أي شكوى تخص الناس إلا ويتابعها بنفسه، كما يقر نجله، يعطي تعليمات مباشرة بحل المشاكل، وإنصافهم بسرعة.

بالتالي بنى صيام بأفعاله الصغيرة جبالًا من الحب في قلوب الناس، وجدها عند المنافسة الديمقراطية في صناديق الاقتراع، فلم يحتج الرجل إلى حملة تسويقية ورفع ملصقات مكتوب فيها "انتخبوني" كما هو السائد، فأفعاله وقربه من الناس نابت في تسويق نفسها، ربما ما امتلكه صيام آنذاك يفتقده كثيرون غيره اليوم.

خاض الانتخابات بسيرة ومحطات أكسبته رصيدًا كبيرًا، بدءًا من منابر المساجد خطيبًا، ومدرسًا للرياضيات والتربية الإسلامية في مدارس وكالة الغوث في الفترة من 1980-2003م، كما شغل منصب عضو مجلس أمناء الجامعة الإسلامية بغزة، اعتُقل أربع مرات بين عامي 1989 و1992، وتعرض للإبعاد إلى مرج الزهور، كما لم ينجُ من تجربة الاعتقال في سجون السلطة الفلسطينية وذلك عام 1995.

رجل من الصف الأول في حركة حماس وعضو في قيادتها السياسية، إضافة إلى شغله موقع مسؤول دائرة العلاقات الخارجية فيها، ومثَّل حركته في لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية في غزة، عُرف عنه مشاركته في لجان الإصلاح ومشاورة وجهاء العشائر في عدد من القضايا الأمنية حتى بعد توليه وزارة الداخلية.

يهتم بتفاصيل الأمور

تعجُّ ذاكرة نجله مصعب بمواقف لم يأفل وهجها رغم مرور 12 عامًا على استشهاده: "كان أبي يهتم كثيرًا بالأمور الصغيرة في نظر غيره، فمثلًا قبل توليه منصب وزير الداخلية، وفي أثناء سيره بشارع صلاح الدين كان يقول لنا وفي ملامحه العتب وبنبرة صوته الغضب: "الله أكبر، أنا ماشي بمنتصف الليل ولا يوجد موقع شرطي تستأنس الناس به، ويترك لديهم شعورًا بالأمن"، وحينما أصبح وزيرًا للداخلية أنشأ مقرات شرطية على طول الشارع، أراد إنهاء سيطرة العائلات وبأن يكون القانون هو الفاصل والحكم بين الناس، فلجأ إلى القوة التنفيذية وهي حالة اضطرارية لجأ إليها لعدم تعاوُن الأجهزة الأمنية آنذاك معه".

بدأ اسم سعيد صيام يظهر في قوائم الاغتيال الإسرائيلية بعد اغتيال د. عبد العزيز الرنتيسي والشيخ أحمد ياسين عام 2004، وتصدَّر قوائم الاغتيال بعد توليه منصب وزير الداخلية وتشكيل القوة التنفيذية، ونشرت الصحافة العبرية اسمه ضمن 16 اسمًا مرشحة للاغتيال قبيل الحرب على غزة (2008-2009).

يزيل مصعب اللثام عن بعض الخفايا في آخر أيام والده: "كنت أرافقه في آخر محطته، رفض أبي الخروج من البيت بداية العدوان، وقال: استشهد أولادي (الشرطة) فعار عليًّ أن أختبئ في الجحور"، لكن مع إصرار مرافقيه والجهات الأمنية انتقل لبيت جدي، ثم انتقل لبيت عمي، وأدار الكثير من الأمور التي كانت مؤلمة، وكان ينتظر استشهاده وهو يوصيني بالاعتناء بالبيت، وكأنه شعر بدنو أجله، ربما لا أبالغ إن قلت إنه لم ينم الليل وهو يتابع الأخبار ويتفقد عناصره ويدير الجبهة الداخلية".

"إياكم والتنازل، فلن يسجل التاريخ علينا أننا بعنا حقوق شعبنا أو تهاونَّا في الحفاظ عليها، ستنتهي الحرب وسننتصر، فإذا استشهدت فهذا أمر الله فسامحوني وأكملوا الطريق" لم يترك سعيد صيام تلك الكلمات المأثورة عنه فحسب، بل بنى عقيدة أمنية بنيت على حماية حقوق المواطنين، وأعادت الهيبة لرجل الشرطة، وحمت ظهر المقاومة، ولا تزال هذه المنظومة تتحدى الاحتلال حتى بعد استشهاد مؤسسها.

يعلِّق مصعب وفي صوته الفخر "أراد الاحتلال كسر شوكة حالة الأمن السائد، لكنه أخطأ فأبي كان يقول: "هناك أجيال ستحرر ولكني سأرسي دعائم الأمن لها"، حصل على 76 ألف صوت لأنه كان يلامس هموم الناس ويقاتل بالحب، ومؤتمنًا على أموالهم وأعراضهم فأعطت الناس أصواتها لمن يريد تحقيق مصالحها".