الاحتكام لصندوق الانتخابات هو السنة التي يمكن الحكم بها على شرعية من يتولى الحكم، وتغييب صندوق الانتخابات هو إنهاء وتعطيل للمؤسسات الشرعية، كما هي الحال مع واقعنا الفلسطيني، الممتد على مدار عشر سنوات، وتركز السلطات في يد شخص واحد، وشاهدنا جميعا كيفية التعامل مع القضاء الفلسطيني في الضفة الغربية وفق الأهواء الشخصية وتغييب القضاء تمامًا، كما حدث سابقًا مع المجلس التشريعي وقبله المجلس الوطني.
غياب صندوق الانتخابات يعني تلقائيًا وصفة فعلية لانتشار الفلتان والفوضى، واهتزاز النظام، وإنهاء وجود الشرعيات المنتخبة، وتعطلها، وكل يوم إضافي في عمر تغييب صندوق الانتخابات يعني مزيدا من التدمير لمنظومة المؤسسات في الدولة أو أي كيان سياسي، ويدفع ثمنها المواطن.
الإعلان أمس عن مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسة خطوة إيجابية ومهمة، وهي فرصة لنتمسك بها بأقصى ما نستطيع، لعلها الفرصة الأولى الأوضح منذ عشر سنوات، خاصة أنها بالتوافق بين حركتي حماس وفتح، وفي حال صدقت النوايا في الاحتكام لصندوق الانتخابات، سيكون من السهل تنظيمها، وإنهاء كل العقبات، وألا تكون فقط للإعلان عنها كشكل من أشكال براءة الذمة.
كل ما سبق من خطوات أفقد الشارع الفلسطيني أي تفاؤل بإجراء الانتخابات، وخاصة سلوك السلطة القائم على التفرد بالسلطة، ومنها التشكيلات الحكومية التي تستفرد بخطواتها، وخاصة في التعامل مع قطاع غزة، وهو ما يتطلب خطوات عملية تعير الثقة له بإنهاء كل الخطوات العقابية التي قامت بها السلطة، وهو يعرف أنها ستكون حاضرة بقوة أمام الناخب وعند صندوق الانتخابات.
الذهاب للانتخابات بصدق النوايا سيمكّن الجميع من مواجهة الموقف الإسرائيلي الذي سيحاول تعطيها أو التأثير فيها، خاصة ما يتعلق بمشاركة حركة حماس في الانتخابات في الضفة الغربية والقدس، وضمان عدم تلاعب الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية عبر التنسيق الأمني مع الاحتلال ضد المرشحين بالاعتقال أو المطاردة.
صدق النوايا يحتاج لأفعال وليس لأقوال، في أولها اعتبار 21 مايو القادم موعدا مقدسا لإجراء الانتخابات، وعدم التغيير والتبديل وفق المصالح الحزبية أو الشخصية، ولعل الأهم هو ضمان إجراء الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطني، الذي من شأنه ان يعيد للفلسطينيين جميعًا حقهم في اختيار من يمثلهم بعد تغييب ذلك لسنوات طويلة وتعطيل المؤسسات الخاصة بمنظمة التحرير.
الكثير من الملفات والقضايا التي يفتحها ملف الانتخابات بحاجة لوقفة جادة لإعادة ترتيبها، والعمل على إنجازها في عام 2021، وإحياء المؤسسات الوطنية للقيام بدورها، مع ضخ دماء جديدة لساحة القيادات الفلسطينية القادرة على إعادة ترتيب البرنامج الوطني لمواجهة الاحتلال بمشاركة كل الفلسطينيين، وهو ما يتطلب إخلاص النوايا وترجمتها لأفعال سريعًا.