فلسطين أون لاين

رحيل "مختار الصيادين" مراد الهسي بعد (60) سنة من ركوب البحر

...
الصياد مراد الهسي (أرشيف)
غزة/ أدهم الشريف:

لم يكن صيادًا ماهرًا فحسب بل إنه لم يكُن إنسانًا عاديًّا لفئة واسعة من الصيادين منذ عشرات السنين، ركب فيها البحر، وأتقن فنون الصيد وصنع أدواته، حتى بات كثير ممن عرفوه جيدًا ينادونه بـ"المختار".

مراد الهسي توفي قبل أيام عن عمر (73 عامًا)، متأثرًا بإصابته بمرض "كوفيد-19" الناتج عن فيروس "كورونا"، كما يوضح لـ"فلسطين" هشام بكر مدير جمعية التوفيق التعاونية لصيادي الأسماك.

وكان الهسي الذي عمل صيادًا لسنوات طويلة، يشغل عضو مجلس إدارة في الجمعية التي تأسست على يد والده رجب الهسي، ومجموعة من قدامى الصيادين سنة 1974، لتصبح لاحقًا واحدة من أهم المؤسسات المحلية العاملة في خدمة قطاع الصيد.

ومراد الهسي وأشقاؤه ورثوا مهنة الصيد عن والدهم رجب، كان مراد في عمر الـ(13 عامًا) عندما خطت قدماه قارب والده (لنش جر) وبدأ صيد الأسماك في مياه بحر غزة وخارجها أيضًا، إذ كان بإمكان الصيادين قديمًا الإبحار خارج حدود القطاع الساحلي، المطل على البحر الأبيض المتوسط بطول (40) كيلومترًا، والوصول إلى شواطئ مدينة بورسعيد المصرية.

وفي أثناء سنوات عمله كما يقول بكر، استطاع مراد الهسي اكتساب خبرة واسعة وشاملة بفنون الصيد وطرقه، وكيفية التعامل مع أنواع الأسماك في مختلف المواسم السنوية.

ويضيف بكر الذي عمل صيادًا في مرحلة سابقة، أن مراد كان من أمهر الأشخاص الذين عرفهم في صناعة وتربيط شباك الصيد وخاصة شباك قوارب الجر، التي لا يقدر على صناعتها أي شخص إلا من ذوي المهارة والخبرة العالية.

وتمكن الراحل مراد الهسي جيدًا من مهنة صناعة الشباك متوارثًا إياها عن والده رجب، الذي كان يأتيه صيادون من مدينة العريش المصرية، ومدينة يافا المحتلة شمالي فلسطين التاريخية، من أجل صناعة الشباك وبيعها لهم.

حتى إن وفودًا أجنبية جاءت إلى غزة وشاهدت ما يصنعه من شباك، وأخبروه أن عمله دقيق جدًّا ويستند إلى أسس علمية.

لكنه في الوقت ذاته لم يحظَ مراد كغيره من الصيادين الغزَّيين، طويلًا بعمل مستقر في الصيد وصنع أدواته بسبب انتهاكات بحرية الاحتلال الإسرائيلي في عرض بحر غزة والتي تصل أحيانًا إلى حد الإعدام.

علاوة على ذلك فإن مراد الهسي وأبناءه الأربعة الذين يعملون صيادين، كانوا من بين الآلاف الذين تأثروا بالحصار الإسرائيلي على قطاع الصيد والممتد منذ سنوات.

ويقول بكر: إن مراد كان من أكثر وأشد المطالبين بضرورة تلبية احتياجات الصيادين من معدات صيد وقطع غيار طيلة سنوات الحصار، وقدم العديد من المساعدات والخدمات للصيادين، والحلول لمشكلاتهم.

ولم يمنع كل هذا الهسي من ممارسة الصيد في بعض المواسم، بعدما أصبح طاعنًا في السن وكبر أبناؤه وتحملوا المسؤولية عن والدهم، وكان موسم صيد وطواط البحر المفضل لديه، ويحظى بطابع وطقوس خاصة لديه وأبنائه.

ويملك أبناء الراحل مراد الهسي، وأشقاؤه، (4) قوارب صيد كبيرة، يعمل عليها عدد من الصيادين يعيلون 100 شخص تقريبًا تعداد أفراد أسرهم، وليس لهم دخل آخر سوى صيد الأسماك.

ويقول بكر: إن رحيل مراد أثر في قلوب عائلته وأصدقائه ومحبيه من الصيادين الذين لجؤوا إليه في مواقف عديدة كان نصيرًا ومدافعًا عنهم وداعمًا لحقوقهم.

وكان مراد الهسي، في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، على رأس الصيادين وحراكهم ضد قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلية -عندما كانت تحتل قطاع غزة آنذاك- والقاضي بفرض ضريبة على كميات الأسماك التي يخرجها الصيادون الغزِّيون من البحر.

ووصل الأمر بمراد والصيادين إلى توزيع كميات كبيرة من الأسماك على المواطنين، وإعادة الكميات المتبقية ميتة إلى البحر مقابل عدم انتفاع سلطات الاحتلال منها أو عوائد الضرائب.

وحقًّا استطاع الصيادون فرض رأيهم على الاحتلال في حينه، كما يقول هشام بكر.