فلسطين أون لاين

خاص الشاب "عاهد اخليل".. حمل سرَّه إلى ربِّه ورحل شهيدًا

...
غزة-الخليل/ نور الدين صالح:

"عندما يذهب الشهداء إلى النوم أصحو، وأحرسهم من هواة الرِّثاء، أقول لهم: تصبحون على وطن من سحابٍ ومن شجر، مِن سراب وماء" كلمات كتبها شاعر المقاومة الفلسطيني محمود درويش عن شهداء الوطن الذين لا تتوقف قوافلهم في فلسطين ولا تمضي سدى.

بعدما انتهت المآذن من تكبيرات أذان عصر يوم الثلاثاء الماضي، خرج عاهد اخليل، في العقد الثاني من عمره، بسيارته الخاصة متوجهاً نحو مدينة بيت لحم، لإحضار بعض مستلزمات الحلوى لمحله الخاص.

لم يكن "اخليل"، الذي يمتلك محلاً لبيع الحلويات في قرية صافا شمال الخليل، يعلم أن هذه الرحلة الأخيرة ستكون له، ونهاية عمله في ذلك المحل الذي افتتحه أواخر شهر ديسمبر الماضي.

عندما اقترب من مفترق مجمع مستوطنات غوش عتصيون جنوب بيت لحم، انهالت عليه رصاصات جنود الاحتلال المتمركزين هناك، حتى استقر بعضها في أنحاء عدة من جسده، كما يروي والده عبد الرحمن اخليل (49 عاماً).

على حين غفلة، وعندما بدأت الشمس بالاختفاء إيذانا بحلول المساء، رنّ رقم غريب "غير مألوف" لديه على هاتف "أبو عاهد".. يرفع هاتفه: ألووو، المُتصل: معك الارتباط المدني "ابنك عاهد استشهد".

كـ "خنجر" قاسٍ وقع الخبر على قلب "أبو عاهد" الذي ظلّ صامتاً بُرهة من الوقت وهو مُمسك بالهاتف واضعاً إياه على أذنه، في محاولة لاستيعاب الخبر الذي مرّ عليه كموجة صاعقة من الكهرباء.

"الخبر صادم لي وللعائلة (..) لحد الآن مش مصدق أنه الخبر صحيح"، يحكي أبو عاهد مع مراسل "فلسطين"، وبالكاد يخرج صوته، وهو يسترق بضعاً من الوقت في أثناء وجوده بين المُهنئين له بشهادة "عاهد".

يلملم كلماته المُبعثرة حزناً على فراق فلذة كبده البِكر فيبدأ بالحديث عنه: "عاهد شاب خلوق ومحبوب من الجميع، وأنهى الثانوية العامة، وانشغل بعمله في مجال الحلويات منذ 4 سنوات؛ الحمد لله ربنا اختاره عنده".

ما يزيد القهر لدى عائلة "اخليل" المكونة من 5 أفراد هو "احتجاز سلطات الاحتلال جثمان عاهد حتى اليوم، وعدم معرفتهم بالرواية الحقيقية لاستشهاده، حسب ما يروي والده.

وتدّعي قوات الاحتلال أن "عاهد" حاول طعن أحد الجنود بـ"بلطة" كان يحملها، وقد طلبوا منه التوقف لكنه لم ينصع لذلك، وهو ما دحضه شهود عيان، ويُعقِّب والده: "هذه الرواية ليس لها أي إثبات حقيقي".

ويقول شهود عيان إن منطقة الدوار ترسانة عسكرية محصنة، حيث يتحصن الجنود في أكشاك عسكرية، في حين يقف المستوطنون خلف قضبان حديدية يحرسهم هؤلاء الجنود، وبذلك فإن محاولة الطعن في هذا الشارع الذي يعج بالأبراج العسكرية والنقاط المحصنة غير واردة.

بصوت مكلوم وقلب يحترق يحكي اخليل: "عاهد فتح مشروع محل حلويات بتكلفة 50 ألف شيكل، بعدما جمّع أتعابه في أثناء فترة عمل استمرت 4 سنوات، في سبيل الوصول لحياة الاستقرار والزواج في الفترة القادمة".

يصمت بعض الوقت ثم يُردد: "لكن عاهد اختار أمرا هو سر بينه وبين ربه، نحن لا نعلمه (..) ربنا يرحمه ويجعله مع الشهداء والصديقين".

ومع استمرار تعنت الاحتلال ورفضه تسليم جثمان "عاهد" وبعد محاولات العائلة للتواصل مع منظمة الصليب الأحمر الدولية والارتباط المدني، فإنها ستُجري تحركات وتتوجه للقضاء ومنظمات حقوق الإنسان طلباً لاستعادة الجثمان ودفنه في مقبرة مدينته.

وكانت قوات الاحتلال قد أعدمت الشاب "اخليل"، الثلاثاء الماضي، بزعم محاولة تنفيذه عملية طعن عند مفرق مستوطنة "غوش عتصيون" المقامة على أراضي جنوب بيت لحم.