تناولت وسائل الاعلام الليلة الماضية بكثافة خبر المصالحة الخليجية التي تسبق عقد قمة مجلس التعاون الخليجي في المعلا، حيث صرَّح وزير خارجية الكويت أحمد ناصر الصباح، في بيان متلفز: إن السعودية وقطر اتفقتا -بناءً على مقترح من أمير الكويت- على إعادة فتح الأجواء والحدود البرية والبحرية بين البلدين، بدءًا من "مساء الاثنين". في حين أعقب هذا التصريح المتلفز بيان من الديوان الأميري القطري يعلن ترؤس أمير قطر وفدَ بلاده لحضور القمة، وذلك يعني أن الأزمة الخليجية التي استمرت حوالي أربع سنوات في طريقها إلى الحل في الأيام القادمة نهائيًّا، وانتهاء حقبة النزاع الخليجي الذي استمر طوال مدة إدارة ترامب تقريبًا.
المشهد اللافت الآخر الذي حدث مؤخرًا هو خروج السيد/ إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في كلمة متلفزة بثتها قناة الأقصى أعلن فيها أن حماس أكدت استعدادها لإجراء انتخابات فلسطينية تشريعية (برلمانية)، ورئاسية، والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير الفلسطينية) بالتوالي والترابط بضمان تركيا ومصر وقطر وروسيا، الأمر الذي يحل عقدة (الانتخابات) التي أوقفت سير علمية المصالحة الفلسطينية منذ مؤتمر الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية والذي نتج عنه برنامج ساده الجمود طوال المدة السابقة، الأمر الذي لو تم فإنه يعني ترتيب الحالة الفلسطينية تمهيدًا للخوض في عملية سياسية مستندة إلى رؤية الرئيس بايدن المختلفة في تفاصيلها عن خطة ترامب الفاشلة (صفقة القرن).
كذلك هناك تحرك واضح لا تخطئه العين في الملف الليبي وخطوات مهمة لإنهاء النزاع المستمر منذ سنوات بين الشرق والغرب الليبيّين، والذي كان استمراره في جزء كبير منه نتيجة لاستمرار الخلاف الخليجي-الخليجي، والذي بدوره جعل العالم العربي مستقطبًا استقطابًا حادًا بين محوري التطبيع والممانعة، ومما لاشك فيه أن عمليات المصالحة العربية-العربية التي تجري في المنطقة ستؤثر حتمًا في النزاع الأكثر دموية في المنطقة وهو الحرب في اليمن.
كل ما حدث وسيحدث في المنطقة في الأيام القادمة يشير إلى أن هناك أوراقًا تترتب على وجه السرعة لتمهيد الطريق أمام إدارة بايدن الجديدة وبإيعاز منها حيث لا يفصلها عن استلام مهمتها سوى أيام وذلك لتنفيذ رؤيتها في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص والعالم بشكل عام في أجواء هادئة، وعلى ما يبدو أن بايدن يرغب في الجلوس على مكتبه الرئاسي في البيت الأبيض نظيفًا من كل الفوضى التي تسبب فيها سلفه الذي لا يزال حتى اللحظة الأخيرة يحاول وضع مزيد من الألغام في طريق إدارة بايدن القادمة، في محاولة للتشويش على برنامجها الذي قد يكون جزء منه امتدادًا طبيعيًّا لبرنامج إدارة أوباما الذي عمل ترامب طوال مدة ولايته على تحطيم كل إنجازاته بدءًا من العلاقة مع الصين ومرورًا بالاتفاق النووي الإيراني وليس انتهاء برؤية حل الدولتين للصراع الفلسطيني الصهيوني.
الخطوات التي تتخذها إدارة بايدن تشير أيضًا إلى أن الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى لإعادة الدور المباشر للولايات المتحدة في المنطقة بعد أن حاول ترامب في أثناء ولايته الانسحاب منها وترك المجال (للاعبين الصغار) لينفذوا بعض المهمات التي تلبي المصالح الأمريكية بعيدًا عن التدخُّل المباشر المستمر منذ عقود من الزمن، ولا شك أن هذا التحرك النشط من إدارة بايدن في ملفات الشرق الأوسط حتى قبل استلام مهامها رسميًّا، ينبئ عن حنكة بايدن السياسية التي اكتسبها في سنوات من العمل السياسي والدبلوماسي والتي كان آخرها عمله نائبًا للرئيس في إدارة أوباما، وعلى ما يبدو أيضا أن بايدن يأتي للمنطقة متسلِّحًا برؤيته الخاصة لمعالجة قضايا الشرق الأوسط بما لا يؤثر على مكانة دولة الاحتلال (المتقدمة) في المنطقة وما أنجزته من عمليات تطبيع مع عدد من الدول العربية وسيحاول جاهدًا التقدم فيها، لتتفرغ إدارته لمعالجة قضايا أصبحت مُلِحَّة ولا يمكن السكوت عنه كعلاقة الولايات المتحدة بالصين وحل الإشكاليات التي فجرتها إدارة ترامب، خاصة في مجالات التجارة الأمر الذي أثَّر في الاقتصاد العالمي برُمَّته، وأدى إلى أن تخوض القوتان حربًا تجارية -هي الأشرس- قسمت العالم إلى قسمين وصفه الأمين العام للأمم المتحدة عام 2019 م "بالشرخ الكبير"، عندما تحدث عن "كوكب مقسوم إلى شطرين، تقوم أكبر قوتين اقتصاديتين فيه ببسط نفوذهما على عالمين منفصلين متنافسين، لكلّ منهما عملته المهيمنة وقوانينه التجارية والمالية وشبكة الإنترنت الخاصة به وذكاؤه الاصطناعي وإستراتيجياته الجيوسياسية والعسكرية الخاصة في لعبة لا رابح فيها.
كذلك ستسعى إدارة بادين عبْر تهدئة المنطقة للتفرغ لإيجاد معالجة فعالة للملف النووي الإيراني الذي فجره ترامب أيضًا ووضع المنطقة كلها على فوهة بركان يكاد ينفجر، ولكن كل ذلك لا يمنع ترامب في ساعاته الأخيرة من تفجير صاعق قد يودي بالمنطقة إلى حالة لا يعلمها إلا الله، خاصة وأن المنطقة بلغت حالة من التوتر، ومهيَّأة للانفجار في أي لحظة، فهل تمضي خطة بايدن بسلام، أم أن في جعبة ترامب ورقةً لم يُلقِها بعد؟