الانقسامات المتتالية في الأحزاب الإسرائيلية تُعطي مصداقيةً لحديث "تنقسم اليهود إلى بضع وسبعين شعبة"، وهو ما يعني أنهم في الظاهر شيء واحد وفي الباطن مختلفون وقلوبهم شتى، وكان هذا أمر عسير على الأنبياء، وقال العلماء: إن بني (إسرائيل) جماعة معقَّدة، وأمراضهم مستعصية، وشهواتهم الدنيوية منفلتة، لا يقيدها منهج، ولا تقيدها حركة مجتمع راشد.
في هذا المجتمع المتوالد ذي الصبغة الانقسامية، يتحرك فيه نتنياهو حركةً بهلوانية للبقاء في كرسي رئاسة مجلس الوزراء، فهو يتحرك نحو الإمارات والبحرين لزيارتهما، ونحو المغرب لاستقدام ملك المغرب إلى تل أبيب، بهدف تعويض فاقد الأصوات الانتخابية الناتجة عن خروج ساعر من الليكود وتشكيله حزبًا جديدًا، يعمل بمعزل عن نتنياهو.
بالطبع، العواصم المذكورة ترغب في معاونة نتنياهو على الفوز، على قاعدة وجه نعرفه خير من وجه لا نعرفه، ومن ثَم سنشهد زيارته إلى الإمارات والبحرين قريبًا، ولكن ليس من المرجح أن ينظِّم ملك المغرب زيارة لتلَّ أبيب مبكرًا، وسيكتفي المغرب بما أجراه به من تطبيع، وحركة طيران متبادلة بين الرباط وتل أبيب، دون زيارةٍ قريبة، ليس كراهة في نتنياهو ولكن لاعتبارات مغربية، وملكية خاصة.
وكما يتحرك نتنياهو نحو العواصم العربية، فهو يتحرك على غير العادة نحو الوسط العربي ملقيًا لهم قطعة لحم مسمومة، حيث يعدهم بمقعد متقدم في قائمة انتخابات الليكود، ويعدهم بفكرة دراسية لتعيينه وزيرًا في حكومته القادمة، هذا ومن المعلوم أن ائتلاف الليكود عمل في الانتخابات الماضية ضد العرب، وضد فكرة إشراكهم في الحكومة، ولكن أمام احتمال تراجع مقاعد الليكود، قرر نتنياهو اللعب على الصوت العربي.
هكذا هي الأحزاب الإسرائيلية -كما يقول الواقع- ترتكز على قاعدة الانقسام الداخلي الذاتي، وعلى قاعدة مصالح الحزب، وعلى قاعدة تهميش الوجود العربي وزيادة الانقسام في القائمة العربية الموحدة.