"المسجد الأقصى يبعد عن منزلي 3 دقائق ولا أستطيع دخوله، كل يوم أتوجه للـ 7 أبواب وأحاول الدخول وأمنع وأعود في اليوم التالي"، بهذه الكلمات التي غلبتها الدموع وصفت المقدسية المبعدة نفيسة خويص قهر الإبعاد لها وللمقدسيين عن الأقصى والمدينة المقدسة.
يشكل الإبعاد أحد أصعب القرارات التي يتخذها الاحتلال الإسرائيلي بحق المقدسيين، فلم يكتف الاحتلال بعزل وعزل الأحياء الفلسطينية بجدار الفصل العنصري وإبعاد 120 ألف مقدسي، بل يلاحق كل فرد مقدسي بقرارات الإبعاد الظالمة عن الأقصى أو البلدة القديمة أو عن المدينة.
تفريغ للمدينة
ويستخدم الاحتلال الإبعاد كسياسة عقاب يطبقها حسب مزاجه، يقول الناشط السياسي يعقوب ابو عصب: "سلطات الاحتلال تريد حسم موضوع المسجد الاقصى المبارك حسما نهائيا، بحيث يتم تقسيمه زمانيا ومكانيا ليصبح وجوده فيه قانونيا هذا هو الهدف النهائي".
ويردف: "كل سياسات الاحتلال سواء كانت بالإبعاد أو منع المصلين من الدخول حسب السن او أي إجراء آخر هو تفريغ للمدينة، بحيث يتم تحقيق الهدف النهائي وهو السيطرة على المسجد الاقصى المبارك".
هذه السياسة التي يمارسها الاحتلال ليست سياسة جديدة، وإن كانت تسري بخطوات متسارعة جدا في السنوات الأخيرة، فبحسب إحصاءات أبعد الاحتلال في النصف الاول من العام 2020 فقط 236 مقدسيا منهم 206 عن المسجد الأقصى و24 عن البلدة القديمة و6 عن القدس.
قهر الإبعاد
عندما يقرر الاحتلال الإبعاد بحق أحدهم فسيمنع بموجبه من الصلاة في المسجد الاقصى ويمنع دخوله خلال فترة الابعاد التي يحددها الاحتلال والتي قد تبدأ من أسبوع وقد تمتد لشهر أو شهرين أو حتى 6 أشهر.
ومن الجدير ذكره أن هناك حالات ممنوعة من دخول المسجد الأقصى بشكل قطعي ونهائي، حتى لو جاء شهر رمضان خلال فترة الإبعاد وهذه أكثر فترة يشعر فيها المبعد بالقهر.
رئيس قسم المخطوطات بالمسجد الأقصى رضوان عمرو مبعد عن المسجد الأقصى لـ6 أشهر متواصلة، 180 يوماً يعبر عن قهره وألمه لوقوفه أمام المسجد الأقصى وسماع أذانه 5 مرات في اليوم وعدم استطاعته تلبية نداء الصلاة.
فيقول: "مؤلم للغاية أن أقف على بوابة المسجد الأقصى المبارك في هذه النقطة الأقرب للمسجد ولا أستطيع دخوله أسمع أذانه 5 مرات ولا أستطيع تلبية هذا النداء والصلاة في محاريبه الكثيرة".
ويضيف: "30 يوما من رمضان ستأتينا سأكون في الخارج مثلي مثل عشرات بل مئات المبعدين عن المسجد الأقصى المبارك، أي قهر أعظم من أن تقف على بوابة الاقصى على بعد أمتار قليلة ولا تستطيع حتى الدخول".
ويشار إلى أن الاحتلال أصبح يصدر قرارات بالمنع من الوصول للبلدة القديمة بعد أن رأى المقدسيين المبعدين يصلون على الأبواب.
وسجل العام 2019 أشرس قرارات الإبعاد عن المسجد الاقصى على إثر أحداث مصلى باب الرحمة، فأبعد الاحتلال 350 مقدسيا عن الأقصى خلال ذلك العام، وسبقها هبة باب الأسباط التي تعرف بـ"البوابات الالكترونية" عام 2017 حيث شهد إبعاد أكثر من 170 مقدسيا عن الاقصى، فيما شهد العام 2018 تقريبا عدد مشابه.
تشتيت العائلة
يتفنن الاحتلال في أساليب تضييقه قهره للمقدسيين، فيمارس ضدهم سياسة الإبعاد عن العالم الخارجي من خلال منعهم من السفر، أو يبعد أحد أقارب الشخص المستهدف من الاحتلال بهدف العقاب الجماعي.
ويذكر أن الاحتلال أصدر قرار إبعاد عن القدس بحق زوجة المقدسي أحمد أبو غزالة بحجة أنها من الضفة الغربية، وبموجب هذا القرار تمنع العائلة من العيش تحت سقف واحد، حيث سيضطر لاستئجار بيت ثانٍ ليحافظ على بقاؤه في القدس ولا يخسر الإقامة المقدسية وبالتالي يدفع تكاليف معيشية مضاعفة.
يقول المقدسي أحمد أبو غزالة الذي أبعدت زوجته إلى الضفة بعد زواج 12 عاما: "لحظة اعتقال زوجتي وإبعادها انهار كل العالم من حولي فلدينا أطفال صغار وحياتنا مركزة في القدس لا يمكننا الاستئجار في خارجها فنحن نسكن في باب حطة في البلدة القديمة وأبنائي في مدرسة باب حطة والمركز الصحي الذي نتعالج به في باب الزاهرة".
ولا يشترط الاحتلال أن تكون الزوجة من الضفة حتى يتم إبعادها فمثلاً المقدسي صلاح الحموري زوجته فرنسية، تم إبعادها وإرجاعها لفرنسا ومنعها من الاجتماع مع زوجها في القدس أو في مناطق تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي.
إبعاد مدى الحياة
وبدعوى عدم الولاء لسلطات الاحتلال تم إبعاد 4 نواب مقدسيين هم محمد أبو طير، وأحمد عطون، وخالد أبو عرفة ومحمد طوطح، فبعد اعتصامهم في مقر الصليب الاحمر لرفض القرار تم اعتقالهم وسحب هوياتهم المقدسية وإبعادهم بشكل نهائي عن القدس.
وسجل عدد كبير من الحالات لأسرى محررين تم إبعادهم عن القدس بشكل نهائي بعد خروجهم من السجن الذي قضوا فيه معظم أيام حياتهم.
وعندما بدء الاحتلال إبعاد المصلين عن الأقصى، قاموا بأداء الصلاة عند البوابات، ومن أبعدهم الاحتلال عن البلدة القديمة صلوا في أقرب نقطة للمسجد الأقصى يسمح الوصول إليها.
يقول المقدسي المبعد نظام أبو رموز: "نحن رسالتنا واضحة سنظل رواد للمسجد الأقصى، أرواحنا فداؤه وسنبقى نغدو ونروح ولن ينالوا منا بسياسة الاحتلال في الابعاد، وسنظل نتواجد في أقرب نقطة ونصلي هناك، سنظل صامدين وثابتين هذه رسالة تحدي وسنظل رواد للمسجد وندافع عنه بإن الله".
ويؤكد ناصر الهدمي رئيس الهيئة المقدسية لمقاومة التهويد: "المسجد الاقصى لن يبقى وحيدا ولن نُحرم منه، نحن أهله وشبابه ورجاله ولا نتخيل حياتنا بدونه بأي شكل من الأشكال".