مشهد معقد تمر به الحلبة السياسية الإسرائيلية في المدة الأخيرة، بفعل الانشقاقات داخل الأحزاب الإسرائيلية وتشكيل أحزاب جديدة أخرى، لخوض الانتخابات الرابعة خلال عامين، المزمع تنظيمها في آذار (مارس) القادم.
وشهدت الأيام الأخيرة خلافات سياسية كبيرة بين المسؤولين والأحزاب الإسرائيلية، أدت في نهاية المطاف إلى حل الكنيست الإسرائيلي، وانتقال شخصيات من أحزاب إلى أخرى، ومن أبرزها انشقاق جدعون ساعر عن حزب ليكود، وتشكيل حزب آخر برئاسته اسمه "تيكفا حدشا" (أمل جديد).
في حين يواصل حزب "أزرق- أبيض" الانهيار، فقد أعلن الوزير يزهر شاي أنه لن يخوض الانتخابات المقبلة مع الحزب وانتقاله إلى حزب آخر، إضافة إلى انعكاسات ذلك على القائمة العربية المشتركة التي تُعاني حالة من الضعف في الآونة الأخيرة.
ويتمحور السؤال الأبرز حول الحظوظ السياسية في الانتخابات القادمة، وهل الأحزاب الجديدة تُشكل تهديدًا على حياة نتنياهو السياسية، فضلًا عن مصير القائمة العربية المشتركة وقدرتها على الحصول على مقاعد في الكنيست القادم أم أنها هي كذلك ذاهبة باتجاه التفكك؟
المختص في الشؤون الإسرائيلية وديع أبو نصار قال: "إن التفكك لا يزال مستمرًّا بين الأحزاب الإسرائيلية، في حين تظهر أحزاب وتنشق أخرى، وهو ما يشكل تزايدًا للتحديات التي تواجه نتنياهو في الانتخابات القادمة".
وأوضح أبو نصار في حديث خاص لصحيفة "فلسطين" أن نتنياهو لديه الإمكانية للمراوغة وعقد تحالفات مع الأحزاب القديم منها أو الجديد، ما يعينه على البقاء في الحُكم.
ورجح أن يقلص الانشقاق الذي حدث في اليمين الإسرائيلي -خاصة انفصال "جدعون ساعر" عنه لمصلحة تشكيل حزب جديد- من فرص نتنياهو في الانتخابات القادمة، "وقد يتحالف نفتالي بينيت مع نتنياهو مجددًا بدلًا من ساعر، ما يساعد على صمود نتنياهو سياسيًّا".
أما حزب "أزرق- أبيض" فيرى أبو نصار أن الحزب قد انتهى ولن يكون لاعبًا مركزيًّا في أي انتخابات قادمة، لا سيّما مع حالة الانهيار وترك شخصيات الحزب وانتقالها إلى أحزاب أخرى.
واستبعد أن يُصبح بيني غانتس رئيسًا للحكومة الإسرائيلية، فهو لم يعد يحظى بشعبية ومؤيدين حتى من أفراد حزبه، إلا إذا حدثت مفاجآت "غير متوقعة".
تحالفات يشتتها التباين
وأيّد ذلك المختص في الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي، مذكرًا بتفكك أحزاب إسرائيلية إستراتيجية، منها "العمل" الذي اختفى كليًّا، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن تراجع أحزاب اليمين والوسط سيلقي بظلاله السلبية على الانتخابات القادمة.
وبين الريماوي في حديث لـ"فلسطين" أن نتنياهو هو الكتلة الأكبر، وتحالفه الكبير مع الأحزاب الدينية والشخصيات المُجمع عليها إسرائيليًّا سببه ضعف الأحزاب والشخصيات الأخرى.
وأشار إلى وجود محاولات لخلافة تيار يميني بقيادة ساعر بالشراكة مع بينيت، لكن هذا التكتل يشوبه تباينات كبيرة، بسبب حداثة الخبرة السياسية، لافتًا إلى نتنياهو استطاع أن يضرب حزب اليمين الوسط ضربة كبيرة، ويُحيد منافسه غانتس الذي كان على رأس الحزب، وأعاد تموضعه من أكبر حزب إلى صغير في الكنيست.
وذكر الريماوي أن "ساعر" يُشكّل الحزب الثاني في (إسرائيل)، لكنه لا يشكل ثقلًا كبيرًا يمكنه من التفوق على ليكود، إضافة إلى أن حزب الوسط الذي قد يكون لبيد على رأسه سيكون له مطالب كبيرة لينضم إلى جدعون ساعر، وهذا يُعطي أفضلية لنتنياهو.
القائمة المشتركة
واتفق المحللان على أن القائمة العربية المشتركة تواجه إشكالات عدة ستنعكس سلبًا على حظوظها في الانتخابات القادمة، ما يعني تراجع حصولها على مقاعد في الكنيست، وتدخلها في القرار السياسي الإسرائيلي.
ورأى الريماوي أن القائمة المشتركة تواجه إشكالات بنيوية وأخلاقية، ووقعت في مأزقين: الأول أن بعض أطيافها تؤيد نتنياهو وأعطت حصانة له، وإن كانت غير مُعلنة.
أما المأزق الثاني -وفقًا لحديثه- فهو أن الشق الآخر من القائمة لم يشكل خيارًا سياسيًّا مُقنعًا للمجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل، وهذا ما يعني تراجعها، "لكن لا مفر لها إلا الدخول في قائمة موحدة بين طرفيها" استدرك الريماوي.
وهذا ما ذهب إليه أبو نصار، من حيث تأييد أغلبية القائمة لنتنياهو، إضافة إلى تراجع شعبيتها في نظر كثير من فلسطينيي الـ(48)، ما أضر بمصداقيتها وإمكانية لعب دور مهم في الحلبة السياسية الإسرائيلية.
واستبعد أن تشكل قائمة النواب العرب في "الكنيست" لاعبًا رئيسًا في الحلبة الحزبية الإسرائيلية، مع وجود احتمال تحييدها بشكل أكبر مما هي عليه الآن.
يذكر أن نتنياهو لم يتمكن بعد الانتخابات المذكورة من تشكيل حكومة جديدة، فأعلن حل الكنيست، وأجريت انتخابات ثانية في العام ذاته في 17 أيلول (سبتمبر)، كرست حالة الجمود والأزمة السياسية.
وبعد الانتخابات الثالثة في آذار (مارس) من العام الفائت تمكن نتنياهو من تشكيل حكومة وحدة طوارئ وطنية مع حزب "أزرق- أبيض"، بعد أن حصل غانتس على توصية 61 نائبًا من الكنيست، منهم أعضاء القائمة المشتركة للأحزاب العربية، لكن غانتس فضّل الانشقاق عن شريكيه في القائمة يائير لبيد وبوغي يعالون، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع نتنياهو في مايو الماضي.