فلسطين أون لاين

2020 سنة متخمة بالضغوط النفسية لأحداثها الاستثنائية

...
غزة- مريم الشوبكي:

كانت 2020 سنة حافلة بالتغيرات سواء الإيجابية أو غيرها، ولمس الجميع هذه التغيرات في كل مكان حول العالم، بما يشتمل على نمط الحياة، وألقى بظلاله على الأصعدة كافة: النفسية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية، والمهنية.

ورغم الأحداث المقلقة والقيود التي جاءت بها جائحة كورونا وكانت حديث الساعة، وأن المعظم أصبح يعاني ضغوطات نفسية، فإن الكثيرين يقولون: إن ثمة جانبًا مضيئًا في 2020، إلى جانب الآخر "المظلم" كما يصفونه.

ياسمينة أحمد من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة تعد أهم حدث استثنائي عاشته في 2020 هو تجربة التعليم الإلكتروني، التي تقول إنها لم تكن مريحة لها وولدت ضغطًا كبيرًا.

تقول ياسمينة لصحيفة "فلسطين": "التعليم عن بعد أحدث خلافات كبيرة بيني وبين زوجي وصلت إلى الخصام لأيام، لأنه يرى أنني أصبحت أكثر عنفًا في مذاكرتي لأبنائي، ودائمًا يتدخل لو أجبرت أحدهم على الدراسة وهذا ما جعل الأبناء يستغلون هذا الأمر حتى يتهربوا، رغم مقدار التعب والإنهاك النفسي الذي أقوم به من ناحية التحضير لدرس وكيفية شرحه لإيصال المعلومة".

أما محمد عجور من مدينة غزة أفقدته جائحة كورونا عمله وأمضي ما يقرب التسعة أشهر عاطلًا عن العمل، وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها القطاع إلى جانب الحصار المزمن لم يجد عملًا.

ولكن مع اقتراب نهاية 2020 ظهر بصيص أمل لديه، يقول لصحيفة "فلسطين": "استطعت إيجاد عمل بسيط للغاية لا تتعدى أجرته اليومية 10 شواقل، ولكني أعتبره حدثًا إيجابيًّا بالنسبة لي، فقد شعرت أنني أقوم بشيء له معنى في حياتي بعد الشهور الطويلة دون تحقيق أي فائدة تذكر".

والتقارب العائلي كان حدثا بارزا في حياة محمد، حيث استطاع أن يكون أكثر قربا من أبنائه الخمسة، الذين تعودوا على خروجه للعمل وعودته منه وهم نيام، ويوم الجمعة فقط هو اليوم الذي كان يجمعهم به.

أما فاطمة العزايزة كان 2020، عام ترقب وقلق من "كورونا" فأرغمت على حجر نفسها والحد من استقبال أخواتها وإخوتها في البيت خوفًا من إصابة والديها المسنين بالفيروس.

تبين العزايزة من دير البلح وسط قطاع غزة لصحيفة "فلسطين" أنها اتخذت تدابير صارمة في التعقيم والتطهير عن شراء الخضار والفواكه والأغراض الأساسية الأخرى.

وتعمل العزايزة صحفية، وهي تكتب للعديد من المواقع الإلكترونية في خارج فلسطين وداخلها، ولكن بعد الجائحة خفضت هذه المواقع عدد المواد الصحفية التي تعودت أن تنتجها لهم، فتبين أن هذا الأمر سبب لها أذى نفسيًّا لأنه مصدر دخلها الوحيد.

وهذا الأمر اضطرها إلى التفكير مليًّا في توفير مصدر بديل للعمل يعتبر أكثر أمانًا لها، تذكر أنها تفكر في الخروج في تجربة التجارة الإلكترونية على مستوى القطاع، من خلال استيراد ملابس من الخارج وبيعها "أون لاين" والتي تجد رواجًا كبيرًا بسبب توجه الناس إلى الشراء عبر الإنترنت حاليًّا.

نمط جديد

من جهتها تبين الاختصاصية النفسية إكرام السعايدة أن جائحة "كورونا" فرضت نمط حياة جديدًا على البشرية، تضمن التباعد الاجتماعي، وفرض معايير جديدة على الحركة الاعتيادية للأفراد، سواء في التعليم، والحياة اليومية.

وتوضح السعايدة لصحيفة "فلسطين" أن الجائحة زادت من بعض الظواهر الصحية كمضاعفتها لإجراءات النظافة، ولجوء البعض إلى تناول الفيتامينات والمكملات الغذائية التي ترفع المناعة وهذا حقق أرباحًا لشركات الأدوية، كما تركت أسى كبيرًا وألقت الرعب في قلوب البشرية، من خلال الفيديوهات التي تضمنت مشاهد قاسية لمصابي كورونا حول العالم وحجرهم واقتيادهم لمراكز الحجر والتعامل غير المعتاد مع الأموات.

وتلفت إلى أن الجائحة تركت مرارة في قلوب المصابين في العالم من خلال التعامل الاضطراري الصارم معهم، وأظهرت معادن الناس في أوقات الشدة وكان فيها بعض المواقف العصيبة الشخصية.

وتقول السعايدة: "الجائحة بينت للعالم معنى ضعف البنية التحتية لدى النظام الصحي، والتعليمي، وأظهرت له مأساة قطاع غزة بسبب الحصار المشدد منذ 14 سنة"، مبينة أن هذا الحصار يحرم الغزيين من أدنى مقومات الحياة، ولكنهم ما زالوا متمسكين بالحياة ولا يساومون على حقوقهم.

وكان 2020 عاما متخما بالأحداث السياسية التي تصفها بـ"المخزية" قائلة:" وجهت بعض الدول العربية ضربة قوية للقضية الفلسطينية من خلال التطبيع العلني، وأصبح أعداؤنا يدخلون بعض الدول العربية بتسهيلات كبيرة، وهي التي تفرض شروط صارمة لدخول الفلسطينيين إليها".

ومن الأحداث التي أفرزها 2020، تذكر السعايدة التعليم الإلكتروني وتعطل المدارس والجامعات لفترات بسبب كورونا.

أما عن الجوانب المضيئة، تفصل الاختصاصية من أبرز الأمور الإيجابية التي أظهرتها الأزمة تقدير العلاقات الاجتماعية، وأتاحت فرصة عظيمة للآباء والأبناء للتواصل مع بعضهم بعضًا وهي إيجابية أفرزها الحجر المنزلي، والاهتمام بقيمة العائلة أكثر وقضاء وقت أكبر مع كبار السن، وإعادة تريب لأولويات هذه العلاقات الاجتماعية.

وتشير إلى أن الأزمة أظهرت قدرة فائقة لدى الأفراد في التكيف والمرونة مع المستجدات وحتى مع طبيعة الأعمال واللجوء دائما إلى خطط بديلة، واللجوء للوصفات والأعشاب والاهتمام بالطبيعة.

وتختم حديثها برسالة ليحملها الناس معهم وهم يدخلون على عام الجديد 2021م، بالآية القرآنية: "لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ" (الحديد: 23)"، "بمعنى أن كل ما تمر به هو مقدر ومكتوب عند الله تعالى، فعليك أن ترضى بكل ما يأتيك ولا تبالغ في إظهار حزنك أو فرحك حتى تنعم بالاستقرار النفسي".