رغم حصارها ماليًّا وعسكريًّا ومحاولات الاحتلال الفاشلة لاختراقها أو تبديد قدراتها عكفت المقاومة الفلسطينية طيلة السنوات الماضية على مراكمة قوتها وقدراتها العسكرية والأمنية، استعدادًا ليوم التحرير والمواجهة الكبرى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
مناورة الركن الشديد التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية بمشاركة واسعة من الأجنحة العسكرية للقوى الفلسطينية الفاعلة في الساحة الفلسطينية حملت رسائل علنية، أبرزها طمأنة الشارع الفلسطيني أن المقاومة مستعدة دومًا لحماية شعبها والدفاع عنه أمام أي حماقات أو عدوان صهيوني، وفي المقابل هي تتحدى العدو الغاصب وتقول له إنها باتت اليوم أشد بأسًا وأقوى شكيمة من ذي قبل، فعيونها متيقّظة منتبهة ورجالها متأهبون لأي مواجهة مع الاحتلال.
وحدة الدم والقرار هي الرسالة الموحدة التي حملتها مشاركة أربعة عشر فصيلًا فلسطينيًّا مسلحًا شملت أجنحة عسكرية تابعة لحماس وفتح والجهاد والجبهتين وألوية الناصر وغيرها من القوى المؤثرة في الشارع الفلسطيني، ما يؤسس لقيادة فلسطينية موحدة في ميدان المواجهة مع الاحتلال، وهي خطوة متقدمة باتجاه تشكيل قيادة سياسية موحدة للشعب الفلسطيني.
الرسائل الخفية للمناورة
جرت العادة أن تستثمر الجيوش مناوراتها العسكرية للإفصاح عن قدراتها العسكرية في رسالة تحدٍّ للأعداء، لكن خصوصية الحالة الفلسطينية دفعت المقاومة الفلسطينية لعدم الإفصاح عن قدراتها العسكرية، وأضحت السرية في هذا الجانب سلاحًا تستخدمه المقاومة لردع الاحتلال، فإذا علمنا أن المقاومة استخدمت في مناورتها تكتيكات عسكرية لمواجهة عمليات تسلل صهيوني أو إنزال بحري وجوي على غزة، وكشفت عن طائراتها المسيرة وصواريخها ذات المدى البعيد، فما قدراتها العسكرية التي ما زالت طي الكتمان لمفاجأة العدو في ميدان المعركة الحقيقي؟
ربما اختيار التوقيت لا يقل أهمية عن التكتيكات العسكرية المستخدمة في المناورة، فهي تأتي مع تطبيع وهرولة غير مسبوقة من بعض الأنظمة العربية باتجاه التحالف مع الاحتلال، وكأن الفلسطينيين قد تُركوا وحدهم دون ظهير رسمي عربي، وهنا تأتي الرسالة المهمة التي ترسلها المقاومة للجميع أنها تحصّنت بركنها الشديد، وهو الوحدة الفصائلية والحاضنة الشعبية الداخلية التي صمدت بل تغلبت على غطرسة الاحتلال في مواجهات عسكرية سابقة، وهي بذلك تقول للاحتلال إن التطبيع العلني لأنظمة تقيم معه علاقات سرية منذ عقود لن يفيده عمليًّا ما تمسك الفلسطينيون بأرضهم وسلاحهم ووحدتهم الميدانية.
إحدى الرسائل الخفية ربما تكون إلى السلطة الفلسطينية وتيار التسوية الذي أدار ظهره للشعب الفلسطيني وما زال مُصرًّا على تعاونه الأمني والاستخباري مع الاحتلال، ويفخر بملاحقة المقاومة والتضييق على أنصارها في الضفة، فهي تقول له لقد آن أوان التخلي عن رهاناته السياسية الخاسرة، وقطع علاقاته المشبوهة مع الاحتلال، وهنا تجدر الإشارة إلى مشاركة مجموعات عسكرية من حركة فتح في مناورة المقاومة، ما يشير إلى أن تيار التسوية بات لا يمثل القاعدة الشعبية لحركة فتح، التي ترى المقاومة خيارها الأقرب للتحرير.
لا شك أن إطلاق مناورة الركن الشديد أثلج صدور أبناء الشعب الفلسطيني ومُحبّيه من أحرار الأمة، وأرعب الاحتلال ومستوطنيه الذين يواصلون عدوانهم على مدن ومخيمات الضفة بلا رادع، ولسان حالهم: ماذا لو وصل رجال المقاومة الفلسطينية وسلاحها إلى مدن ومخيمات الضفة في المستقبل؟