طوال مدة الصراع الفلسطيني الصهيوني كان الشعب الفلسطيني عاجزًا عن توفير قوة تكون له درعًا وسيفًا، درعًا يحميه من غارت العدو الغادرة وسيفًا يهاجم كل من يحاول أن ينال منه أو يعتدي على حقوقه، ولذلك طالت الشعب الفلسطيني على مدى التاريخ الحديث المذابح المروعة والجرائم البشعة، التي كان أعظمها تشريده من أرضه تحت تهديد القوة والقتل وتجميعه في مخيمات لجوء تفتقد الحد الأدنى من الحياة أو الكرامة الإنسانية.
وعندما لجأ الشعب الفلسطيني مكرهًا لإسناد ظهره إلى من ظن أنهم إخوة يمتلكون القوة خذلوه كأشد ما يكون الخذلان، فخسر ما تبقى من أرضه، وليت الأمر بقي عند هذا الحد، بل وصل بهم الحال ليطعنوه من الخلف ويذهبوا لمصادقة العدو والتطبيع معه على حساب قضيته وأرضه الذي قدم في سبيلها عشرات آلاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى والأسرى، بل اكتشف شعبنا أن هذه الأنظمة التي يأوي إليها كانت تظهر له الود وتدعي أنها تحمل همه وهم قضيته في الوقت الذي كانت تنسج فيه علاقاتها المحرمة مع العدو حتى قبل إنشاء هذا الاحتلال للحفاظ على عروشها من الزوال، ولم يكن ادعاؤها حمل قضية فلسطين إلا لتأمن غضب شعوبها.
اكتشف الشعب الفلسطيني أنه كان يعيش حالة خداع تاريخية كبرى شاركت فيها معظم الأنظمة العربية -إن لم يكن كلها- على اختلاف توجهاتها ومشاربها، وقد ظهر هذا أخيرًا مع تسارع وتيرة تطبيع الأنظمة والقبائل العربية مع العدو الصهيوني بعد أن التقت المصالح علنًا، فهذا العدو يطمح لينال شرعية الوجود للحفاظ على بقاء وجود دولته على الخريطة السياسية مكان اسم فلسطين، وتلك الأنظمة تسعى للحفاظ على عروشها وممالك عائلاتها الحاكمة بالحماية الصهيونية ضد حركات التحرر وضد تمرد الشعوب.
واليوم بعد أن أُنهك الشعب الفلسطيني من اللهاث خلف قوى زائفة ها هو يأوي إلى ركن المقاومة الشديد، التي اجترحت معجزة الصمود أمام العدو من العدم، فأسست مقاومة ردعت العدو بكل كفاءة واقتدار، بعد أن كان هذا العدو يستمرئ تمريغ وجوه القيادات العسكرية العربية في الوحل كلما راقه ذلك على اختلاف رتبها وأنواطها وأوسمتها، أجل أصبح هذا العدو يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على عمل قد تفهمه المقاومة خطأ فترد عليه الصاع صاعين كما عودته، فترى هذا العدو يُقدم على الاعتذار أجل يُقدم هذا العدو على الاعتذار عن خطأ ارتكبه خوفًا من رد المقاومة الصارم، ولم يكن ليفعلها لو كان أمامه أي (جيش عربي) من الجيوش التي حاربها أو خاض معها (مسرحية حرب) من نوعية تلك الحروب التي كانت تحسم بمرور (ستة أيام) فقط، ليضاعف العدو مساحة الأرض التي يستولى عليها ثلاثة أضعاف، وها أنتم -يا رجال- تخوضون حربًا مدة واحد وخمسين يومًا لا يتجرأ العدو فيها على التقدم أمتارًا من الأرض، ثم ينسحب أمام عظمة صمودكم صاغرًا.
ولذلك حق لنا أن نقول شكرًا لكم أيها الرجال، لقد أوينا إلى ركنكم الشديد بعد أن أنهكنا اللهاث خلف السراب الخادع، فوجدنا الأمان والطمأنينة، وتجدد لدينا الأمل وأحييتم في نفوسنا العزيمة، صحيح أننا لم نصل إلى الغايات المرجوة من الأمان التام، ولكن ما حققتموه عجزت عنه جيوش وأساطيل وأسراب من الطائرات التي كان يعجبنا مظهرها، لكن في كل مرة خذلتنا في الميدان، ليس لأنها عديمة الجدوى والكفاءة، ولكن لعدم كفاءة من يقودها، فلم يكن العيب يومًا في السلاح الأبكم، ولكن العيب كل العيب كان فيمن يحمل هذا السلاح، واليوم ها أنتم بقليل من السلاح الذي صُنع على عينكم وبكثير من العرق والجهد والعقل تحققون أمننا، وتحمون ديارنا، وتصونون أعراضنا وتردعون عدونا، ورغم كل ما يجري حولنا من تطبيع مذل تواطأ عليه الصديق قبل المبغض، في محاولة لإنهاء الحلم الفلسطيني بالعودة والتحرير وتغيير الوعي الجمعي العربي ليقبل العدو ويلفظ صاحب الحق، أتيتم كنور الشمس الذي بدد حجب الغيوم السوداء التي غطت سماءنا فحجب كل ما هو جميل، فبفضلكم أنتم فقط عاد لنا حلمنا وعادت لنا زرقة سمائنا وعاد لنا أملنا، ونحن وإياكم على عهد التحرير الكامل للأرض والمقدسات في صبح يوم مجيد قريب، فلكم منا كل الحب ونقولها مرة تلو المرة: رفعتم رؤوسنا يا رجال.