فلسطين أون لاين

مناورات "الركن الشديد".. وحدة القرار سبيل الانتصار

...

عقودٌ مضت وسنونٌ انقضت من الجهاد والكفاح المسلح الذي مارسته الفصائل الفلسطينية في مقاومة الاحتلال الصهيوني حتى أنضجت تجربتها وصقلت شخصيتها وهذّبت فكرها العسكري؛ حتى وصلت اليوم إلى ما وصلت إليه من اجتماعٍ للكلمة ورصٍّ للصفوف وتنسيقٍ للجهود ووحدةٍ للقرار؛ تُوجّت قبل عامين بتشكيل غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة التي أبلت بلاءً حسنًا في غير مرةٍ من جولات التصعيد التي خاضتها المقاومة مع العدو الصهيوني، وكانت أشدها وأعظمها نكاية بالعدو هي جولة "حد السيف"، واليوم تتحفنا الفصائل الفلسطينية بتنفيذ مناورة عسكرية كبيرة بهدف قياس الجهوزية ومدى استعداد الفصائل للدفاع عن حمى قطاع غزة الصابر، واختبار الكفاءة العملياتية لقيادة غرفة العمليات المشتركة للمقاومة بتنفيذ مشاريع عسكرية تحاكي التصدي لهجوم عسكري صهيوني محتمل على القطاع.

الفصائل الفلسطينية أرادت من وراء تنفيذ مناورتها العسكرية إرسال رسائل في عدة اتجاهات، تتقدمها رسالة تحذيرٍ وتهديد للعدو الصهيوني أن الفصائل العسكرية لن تتردد في الدفاع عن شعبها مهما بلغت قوة العدو وغطرسته، وأن المقاومة اليوم هي أكثر ثباتًا وأصلب عودًا وأقوى شكيمةً، وهي تأوي إلى ركنها الشديد المتمثل في غرفة العمليات المشتركة وحاضنتها الشعبية، بعد التوكل على الله (تعالى)، فالمعركة القادمة مع العدو لن تكون كما كانت إبان عدوان عام 2014م، فالفصائل طوّرت من قدراتها العسكرية والتقنية على صعيد الصواريخ الثقيلة ذات القدرة التدميرية الكبيرة، وكذلك على صعيد مشروع الطائرات المسيرة الحاملة للقذائف الصاروخية، ورفعت من كفاءة مجاهديها ومقاتليها، وقفزت قفزة نوعية على صعيد معركة العقول وصراع الأدمغة، هذا هو جزء يسير مما كشفت عنه المقاومة، وما خفي أعظم.

رسالة ثانية حملتها الصواريخ التجريبية التي شقت سماء القطاع إيذانًا بانطلاق المناورة المشتركة كانت لشعبنا الصابر المحتسب؛ أن معركتنا مع العدو الصهيوني وكفاحنا في سبيل تحرير أرضنا وتطهير مقدساتنا ما زالت في أوج عنفوانها، ما يستدعي من شعبنا أن يكون على قدرٍ عالٍ من اليقظة والتأهُّب، والاستعداد النفسي والمعنوي للمعركة القادمة الحاسمة، وأن هذا الهدوء الهش الذي تعيشه غزة المحاصرة لا يمكن أن يستمر طويلًا، فالعدو لن يقبل أقل من أن يجعلنا عبيدًا بلا وطنٍ ولا كرامة، بلا هوية ولا سلاح؛ ندافع به عن ديننا ومقدساتنا وأعراضنا، وهذا ما يأباه شعبنا المجاهد الذي ما قبلَ ولن يقبل أقل من كنس الاحتلال الصهيوني عن كامل التراب الفلسطيني لتحقيق حلم العودة وإقامة الدولة المستقلة.

أما الرسالة الثالثة فهي في توقيت هذه المناورة التي جاءت في الذكرى الثانية عشرة لمعركة الفرقان، التي سطرت فيها غزة بطولاتٍ وملاحم خلّدها التاريخ بمدادٍ من نورٍ ودماءٍ روّت ثرى هذه الأرض الطاهرة، ورسمت ملامح طريقنا نحو القدس والأقصى، وتزامنها مع مرحلة مخزية قادتها حكومات محور الشر (الصهيوعربية) في التطبيع مع الكيان المسخ، في محاولة منهم -أي المطبعين- لشطب فلسطين المحتلة والقدس المغتصبة من أولويات الشعوب العربية والإسلامية؛ فجاءت هذه المناورة لتعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية من جديد، ولتقول للشعوب العربية والإسلامية إننا اليوم نواجه عدونا موحدين كالبنيان المرصوص، وإن ركننا الشديد ينتظر اليوم نصرتكم ودعمكم وإسنادكم، بعد أن تنتزعوا حريتكم وقراركم من الحكومات الوظيفية المتآمرة، كي نحقق حلمنا بالتحرير واقتلاع الغدة السرطانية (إسرائيل)، التي زرعها الاستعمار في قلب الأمة في سبيل تمزيقها ومنعها من استعادة وحدتها وقرارها.

أخيرًا إن شعبنا وهو يتابع بشغف تفاصيل هذه المناورة يحدوه الأمل أن تتمكن الفصائل الفلسطينية من تحقيق حلم الوحدة والاندماج، لسائر التشكيلات العسكرية المجاهدة والمقاتلة في جسم وطني واحد، يشترك في الرؤية السياسية والقرار العسكري، ويعمل على تحقيق الأهداف التي قامت عليها الثورة الفلسطينية، وهي التحرير والعودة وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل ربوع وتراب فلسطين التاريخية، فتلكن هي رسالة الفصائل التي يلتف حولها الشعب الفلسطيني بمختلف مكوناته وأطيافه، وأي مشروع يروّجه بعضٌ دون هذا السقف الذي اجتمعت عليه جميع الفصائل هو مشروعٌ منبوذٌ مرفوضٌ، ولا محل له في قاموس الثورة الفلسطينية.

المصدر / أحمد قنيطة - كاتب ومدون