فلسطين أون لاين

بالصور "نداء" توصل رسائل تحذيرية من كورونا عبر "الكويلينج"

...
الفنانة نداء الشنطي (تصوير محمود أبو حصيرة)
غزة/ نور الدين صالح:

تُمسك بيدها اليُمنى "ملقطًا" صغيرًا يُستخدم للأجزاء الحساسة والدقيقة وتضع أشرطة ورقية مُلتف بعضها على بعض، على ورقة أخرى كبيرة بحجم (A4) بمنتهى الدقة، كـ"فني إلكترونيات" يداوي قطعًا إلكترونية حساسة، ويُعيدها إلى أماكنها بعملية احترافية.

أما اليد اليُسرى فُتمسك بها "اللاصق" الذي يُستخدم لإلصاق "الأشرطة الورقية" الصغيرة ذات الألوان المتنوعة، كل واحد منها في مكانه المخصص على اللوحة في وقت متفاوت من لوحة إلى أخرى وفق صعوبتها في عملية دقيقة، فكانت النهاية "وجه طفل يرتدي كمامة بيضاء"، في رسالة تثبت أهمية ارتدائها مع انتشار جائحة كورونا في المجتمع.

خطّت تفاصيل هذه اللوحة ولوحات تحاكي جُملة من القضايا النفسية والاجتماعية حتى الوطنية، أنامل الشابة نداء الشنطي ابنة الأربعة والعشرين ربيعًا، التي أتمّت دراسة تخصص "علم الاجتماع" في مدينة غزة.

في إحدى زوايا المنزل وعلى طاولة خشبية خصصتها نداء لها، تبعثرت اللوحات فتوسطها شكل لفيروس كورونا بلون أحمر، في رسالة تحذيرية من خطورته، وعلى الجانب الآخر انتصبت خريطة فلسطين وهي تتوشح بألوان العلم الثلاثة، في حين تناثرت باقي اللوحات المُعبرة عن قضايا مجتمعية على أرجاء الطاولة، ومنها ما عُلق على جدران الغرفة.

كانت هذه اللوحات ضمن فن يُدعى "الكويلينج"، وهو نادر في قطاع غزة استهوى قلب نداء التي تُجيد فن الرسم بأقلام الفحم أصلًا؛ حينما كانت تُقّلب صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وأخذت تبحث عن جذوره، كما تحكي لصحيفة "فلسطين".

أرادت الغوص في مجال آخر غير الرسم بالفحم، المعروف لدى كثير من الناس، فكانت وجهتها نحو فن "الكويلينج"، الذي أخذت تُبحر في تفاصيله منذ أواخر عام 2019م بتصميمات بدائية، حتى نضج في قلبها وعقلها أواسط عام 2020م ووصلت للاحترافية.

و"الكويلينج" يُعرف باسم "فن لف الورق"، وهو فن من الفنون الورقية، ويقوم على استخدام شرائط من الورق تلف وتشكل وتلصق معًا لإنشاء تصميمات زخرفية، وانتشر في دول أوروبية، وكانت تستخدمه راهبات فرنسيات وإيطاليات لتزيين الكتب والورق والصناديق والهدايا، وفق ويكبيديا.

في كل مرّة قبل البدء بإنجاز لوحة فنية، تشرد نداء بخيالها بعيدًا كـ"طير" فرد جناحيه وطار مُحلقًا في الفضاء الواسع ثم عاد حاملًا معه الأمل، وهذا ما طبقته بتجسيد لوحات "اليوجا" وآلات الموسيقا، لتبعث الأمل والطمأنينة في نفوس الناس وتُخرجهم من كوابيس الحياة.

وتُبدع العشرينية في توظيف فن "الكويلينج" بمجال دراستها "علم الاجتماع"، إذ تميل لتجسيد لوحات تنثر الروح الإيجابية بين الناس والطموح العالي، إضافة إلى لوحات من وحي الطبيعة وأخرى آيات قرآنية وأسماء، حتى القضية الفلسطينية تحتل جزءًا وفيرًا.

وازداد حماس نداء أكثر فأكثر بعدما لاقت تحفيزًا وتشجيعًا كبيرين من والديها وإخوانها وأصدقائها، ما دفعها للتطوير من نفسها وفنها في آن واحد، فلجأت إلى وزارة الثقافة بغزة تطلب فرصةً لنشر أعمالها، فكانت الاستجابة سريعة، وسمحت لها بالمشاركة في مهرجان للإبداع والثقافة، خلال هذا العام، أول تجربة تخوضها محليًّا.

 

 

لاقى الفن النادر في غزة إقبالًا كبيرًا من الناس خلال المهرجان، ورسم البسمة والدهشة على مُحيا الحضور، كما تقص نداء عن فرحتها بتجربتها الأولى في المهرجان وآراء الحاضرين.

بعث هذا التشجيع السعادة في قلبها، فراودها التفكير أن تكون الموهبة "مزدوجة"، بحيث تُنميها من جهة، وتستفيد منها من جهة أخرى عبر مساعدتها في إكمال الدراسات العليا بشق من العوائد المالية، والآخر تساعد به الفقراء.

عُرفت نداء بأعمالها التي نشرتها عبر صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، واستهوى قلوب كثيرين، وبدأت تستقبل بعض الطلبات من المواطنين، "لكن ما كان يواجهني عدم قبول الناس أسعار اللوحات رغم أنها زهيدة، ما يدل عدم تقديرهم الأعمال اليدوية والوقت الذي تستغرقه" تتحدث عن أبرز المُعيقات في العمل.

ولم تُشكل هذه المعيقات عثرة أمام نداء، بل اتخذت منها سلمًا للصعود للأعلى والتفوق عبر طموحها أن يكون لديها معمل مخصص لاستمرار هذا الفن النادر.

"اصنع مهنتك بنفسك حتى تفيد حالك ومجتمعك" كانت هذه كلمات الرسالة التي ختمت بها نداء حديثها ووجهتها إلى الناس الطموحة، ناصحة إياهم باكتشاف المواهب المدفونة لديهم وتطويرها أكثر فأكثر، مع ضنك الحياة التي يعيشها الغزيون بفعل الحصار.