قد تبدو المفردتان اللتان يحملهما عنوان المقال متناقضتي الدلالة والمغزى، لكنهما في الوقت ذاته تلخصان واقع العام الحالي الآذن بالرحيل، والذي ابتلي في بدايته بحدث لم يكن متوقعًا وكان خارج دائرة التغيرات والحسابات السياسية والاجتماعية، لكن آثاره استغرقت كلّ جوانب الحياة، وتركت بصماتها عميقة في عوالم السياسية والاجتماع والاقتصاد والصحة، وحتى أنماط الحياة بأدق تفاصيلها لدى معظم البشر على هذا الكوكب.
حين بدأ فيروس كورونا بالانتشار في ذلك المكان القصي من العالم (ووهان في الصين) لم يكن متوقعًا أنه سيغدو اللاعب الأساسي في كل العالم وعلى مدار العام كله، ولعل التفسير الرغائبي للظواهر دفع كثيرين للاعتقاد بأن أزمته لن تتجاوز بضعة أشهر، وستعود بعدها الحياة إلى سالف عهدها.
تجاوزت آثار الجائحة الجانب الصحي، لتخلف آثارًا بالغة السوء طالت الاقتصاد والأعمال، وأنماط الحياة الاجتماعية، إضافة إلى العطب الذي أصاب الجهاز التعليمي، بجميع مستوياته، مما أفرز ظواهر اجتماعية ونفسية جديدة، مثل استثقال العودة للتواصل بصيغه القديمة والكثيفة، والميل للكسل والخمول، واستسهال هدر الوقت، والإدمان بشراهة على مواقع التواصل الاجتماعي، وانعدام الرغبة في ممارسة كثير من الأنشطة الحيوية.
ليس صحيحًا أن ظروف الحجر التي عاشها كثيرون، بسبب إجراءات الإغلاق الحكومية العامة أو بسبب إصابتهم، قد حفزتهم على الإنجاز في ظروف الحجر، ربما حدث هذا في بداية الجائحة، وحيث توقع كثيرون أنها لن تلبث أن تنقضي، فأظهروا مبادرات عديدة لاستثمار الوقت حتى وهم في منازلهم، ولكن بعد مدة من الوقت، وحين تعايش الناس مع ظروف الجائحة وليس معها نفسها، بدا أن هناك نمطًا من الكسل وضعف الاجتهاد وانتفاء القابلية لفعل كثير من الأمور قد طغى على واقع أكثر الناس، ولعلّ هذا أوضح ما يُرى في الأطفال، وخصوصًا من ألفوا الانقطاع الطويل عن الذهاب إلى المدارس، أو القيام بأدنى الواجبات الأساسية في هذا المجال.
على الصعيد السياسي، كان هذا عام التطبيع المشين مع الاحتلال الصهيوني، وما أفرزه من مظاهر متطرفة في ترجمة مجالات التحالف مع الكيان، وقد بدت عجلة التغير سريعة على هذا الصعيد، حتى وإن كان هذا التحالف لا يعبّر عن إرادة الشعوب، لكنّ الأنظمة التي تتمادى إلى تلك الدرجة في مقارفة الخيانة، وفي تمجيد الصهيوني، لا بدّ أنها اطمأنت إلى أن حركة الاحتجاج على فعلها واهنة، ولن يتجاوز سقفها تعبيرات الغضب البعيد عن الميادين، وعن التأثير المباشر على خطواتها.
هناك أنظمة وسلطات استغلت الجائحة لتعزيز قبضتها الأمنية، ولتجريب مستويات عديدة من القهر والقمع، وفرض سياسات حديدية باسم محاربة الوباء، وهناك في المقابل من أدمن الخمول والجمود واللا مبالاة إما استجابة لتلك السياسات، وإما بذريعة ظروف الوباء، وهذه كلها نتائج طبيعية لذلك المتغيِّر الغريب الذي طرأ منذ بداية العام ولون شكل مساراته كلها.
ولكن، لو افترضنا أن هذا العام بتقلباته وجموده كان تجربة تمهيدية للعام القادم (2021)، فإن هناك سؤالًا مهمًّا يفرض نفسه، وهو: كيف سيكون ممكنًا استعادة الناس نشاطهم وفاعليتهم فيما لو حمل العام القادم تحديات صعبة تستدعي نهوضًا وحركةً ومفارقة لوضعية الجمود التي ألفها كثيرون، واستسهلوا التعايش معها؟