تقاسمته السقف، وطاولة الطعام، وحتى السرير، دون أن تشعر بعاطفة تجمعها به، فلا دفء ولا حنان.
زاغت عيناها وهي تتذكر كيف كانت علاقتها معه في البداية، بعد خطبتها إليه، كيف كان يستميت لأجل دقائق يحادثها خلالها، أو زيارة يجلس معها منفرداً، أو مشوار يخرجه برفقتها، كان حينها جذوة مشتعلة من العواطف، والدفء، مندفعًا حد التهور.. وكان المانع أمامه دائماً هو والدها، الذي يعارض الخروج والزيارات وأحاديث الهاتف.. وقد أسمعه أكثر من مرة: إن كنت تريد ذلك، فتزوجها وخذها إلى بيتك.. وهناك افعل ما شئت، أما في بيتي أنا، فممنوع.
لا تدري إن كان قد سئم منها الآن بعد خمسة عشر عاماً من الزواج، أم أنه الاعتياد الذي غيَّب الشغف بينهما.. تشعر برفضه لها.. ولا تدري إن كان الرفض هو الكلمة المناسبة لوصف حالها أم لا..
-أنا تعبانة..
-سلامتك..
-أنت لا تأبه بآلامي..
-أنتِ دائمة الشكوى.. ماذا أفعل لك؟ أأحملك وأرقص بك حتى تتشافيْ؟
-لا أريد منك شيئاً.. شكراً.. آسفة على إزعاجك.
وتغرق في عالمها الداخلي.. تكتفي بأن تعيش كآلة منذ الصباح وحتى حلول الليل، تنظف البيت، وتطهو الطعام، وتغسل الملابس، وتكويها، وتربي الأبناء، وتتابع همومهم ومشاكلهم، وتساعدهم في دروسهم، وتعتني بالحديقة... و...و...
-أيكفي هذا؟
-طبعاً لا.. أنت مقصرة في حقي!!.
-ماذا تريد أيضاً؟.
ألم تصنعي حلوى؟ أنت تعلمين أنني أحبها خاصة في الأيام الباردة.. وأيضاً لم تنظفي لي بقعة الزيت عن قميصي الأزرق.
-أعلم ذلك ولكني متعبة، رقبتي تؤلمني بحدة، وتعيقني عن إتمام عملي، وإصبعي مجروح ويسيل دماً كلما لامسه شيء.
-أف.. يبدو أنك بحاجة للتبديل يا امرأة..
قالت في نفسها: ما أنا بحاجة له حقيقة هو بعض الحب أيها الرجل الشرقي الذي لم يتعلم سوى أن يأخذ، فالعطاء غير موجودٍ في قاموسه.. أيها الرجل الذي يجلس لإصدار الأحكام دون أن ينظر لنفسه وتقصيره..
-ما بالك واجمة هكذا، ألم يعجبك الكلام؟
-وكيف يعجبني وأنت تنظر فقط لزلاتي وتقصيري؟ ما الذنب الذي ارتكبته؟ لماذا تعاملني بجفاء؟ ألست زوجتك التي كنت تحترق شوقاً للقائها؟ ما بالك اليوم لا تعبأ بوجودي وكأنني فقط موجودة لخدمتك وخدمة أبنائك؟
-ما شاء الله، ومتمردة أيضاً.. أجد الكتب التي تقرئينها قد أخذت تؤثر في تفكيرك، وتشجعك على التمرد علي.. اعلمي منذ الآن أنني إن رأيت أحدها في يدك سأمزقه.
-والله مللت.. أستحاصرني أيضاً؟ ألا يكفيك أن الجهاز الذكي دائماً بين يديك تتصفح الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب وتنسى أن عليك مسؤوليات وأن هناك أسرة بحاجة لك؟
-ما شاء الله، أتحاسبينني أيضاً؟ وهل أنا مقصر في أسرتي؟ أليست جميع طلباتكم مجابة؟ ماذا تريدين أيضاً؟
-أنا لا أريد منك سوى بعض الاهتمام بي وبأبنائك.. والاهتمام ليس معناه فقط تلبية الحاجات.
-أصبحت فيلسوفة دون أن أدري.. راجعي نفسك أولاً قبل أن تتكلمي.
وجدت النقاش معه عقيماً، لا يجلب إلا مزيداً من النكد.. تركته وذهبت تعدُّ الفراش للأولاد لكي يناموا.