فلسطين أون لاين

تقرير "حياة بلا دفء".. عائلة تبحث عن منقذٍ من برد الشتاء

...
منزل العائلة الفقيرة
غزة/ يحيى اليعقوبي:

قطراتُ مياه الأمطار تتهاوى على الأرض هاربةً من الغيوم الملبدة وتنسكب بغزارة لتلامس الأرض، هنا تمشي "بتول" ابنة الأعوام الثمانية على أطراف أصابعها فوق الطين المبلل حافية القدمين، تكتفُ ذراعيها على صدرها، وتصطك أسنانها، ترتجفُ مثل طائرٍ وقع في حفرة مياه، بعد أن تبللت ملابسها الوردية.

في داخل المنزل صوت المطر ينهال على ألواح "الزينقو" فتجد قطراته طريقها للتسلل من ثقوب عديدة داخل المنزل الواقع شرق حي الشجاعية بمدينة غزة، تسقط في قعر صحون وأوانٍ وكأنها تجلس تحت صنبور مياه مفتوح، يد إغلاقه معلقة بالغيوم تتوقف مع آخر قطرة مياه تسكبها، ولا يعرف موعد لانتهاء سقوط زخاتها التي تستمر أيامًا وهي ترافق المنخفضات الجوية، تعيش العائلة التي طلبت عدم الكشف عن اسمها حياة بائسة، في مأوى ينعدم فيه الدفء ويغيب مع كل منخفض جوي.

بتول وعمتها التي فضلت عدم كشف هويتها فرحتا باستقبال موقد غاز وأسطوانة، من مبادرة خيرية، بعد أن تعطل الموقد القديم وعاشت العائلة التي لا يزيد دخلها الشهري على 400 شيقل أيامًا "صعبة" لم تستطع شراء موقد غاز آخر، رافقنا عملية تسلم المساعدة التي لم تزح أحزانهن؛ فقائمة الاحتياجات الضرورية طويلة هنا، فألواح الزينقو تكثر بها الثقوب، ولا يوجد ثلاجة، وفرشات وأغطية، تغطي المنزل مساحة من الأغطية البالية ويكثر فيه الفراغ.

حصص يومية برسوم زهيدة

تطفو على وجه العمة التي تدرس  اللغة العربية ولا تجد ثمن إكمال فصلها الأخير بقايا دموع بللت خدها، تتحرر من صمتها قائلة لصحيفة "فلسطين": "منذ سبعة أشهر أعطي حصصًا يومية لأطفال الحي، ومقابل كل ساعة دراسية أحصل على اثنين من الشواقل فقط، كنت أدخرها ولا أصرف منها شيئًا حتى جمعت 400 شيقل على مدار سبعة أشهر، واشتريت لأهلي ثلاثة ألواح زينقو لتغطية أكثر الغرف ثقوبًا".

تمسح بقايا دموع تهاوت من عينيها: "تضرر منزلنا نتيجة عدوان الاحتلال على غزة سنة 2014م، وجاءت إحدى المؤسسات ورممت أرضيته، لكن لم تكفِ أموالها لإصلاح دورة المياه وإكمال الترميم؛ فبقيت الحياة كما هي بائسة وكأنه لم يتغير شيء".

منذ ستة أعوام تعاني العائلة جراء المنخفضات الجوية، فرب الأسرة تعطل عن العمل ويعاني ضعفًا في النظر بنسبة 90%، شقيقها الذي كان يصرف عليهم توفي بحادث سير، أما أخوه الكبير فهو متزوج ولا يعمل نتيجة آلام بقدميه، والأصغر منه حدثت له مشكلة نفسية بسبب وفاة أخيه ورسوبه في الثانوية العامة، ويغلق على نفسه باب إحدى الغرف على الدوام.

في صدر المنزل تستقبلك فرشتان ممزقتان، تجاورهما سجادة مهترئة، في الغرفة الأخرى خزانة بالية تخلت بعض أبوابها عنها ورحلت وتركتها مكتظة بالملابس، مقابلها غرفة أخرى تؤوي جميع  أفراد الأسرة، تضم سريرًا وفرشة واحدة، ينفذ الهواء أيضًا من فتحات النافذة التي تغطيها قطعة قماشية لا  تستطيع حجب الهواء البارد.

أمل في غد أفضل

 يتشارك كل اثنين من الأبناء للاختباء من برودة الطقس والأجواء تحت ملاءة واحدة، فالأغطية غير كافية هنا، يتقاسمون المعاناة واللقمة والهم المشترك، يتطلعون إلى غد أفضل يتحسن فيه الحال.

تسمع تنهيداتها الحارة واختناق صوتها بالألم، وترسو على ملامح وجهها حياة البؤس والشقاء: "طوال الوقت نخوض سباقًا في قشط المياه التي تدخل إلى المنزل، اليوم وصل إلينا الغاز (...)  دخلنا الشهري بسيط، وأي شيء يتعطل لا نستطيع شراء بديل له".

من أحد الثقوب تنزل مياه الأمطار في خط متواصل لتغفو في حضن الآنية، صوت مياه الأمطار يعلو مع زيادة زخاتها، البرد يتلقفك من داخل تلك الجدران، تعرض العمة جانبًا آخر لمعاناة العائلة في ذكرى وفاة شقيقها بحادث السير: "رحيله فاقم المعاناة، فقد كان يساعد أبي في توفير الدخل (...) عن نفسي تبقى فصل لتخرجي في الجامعة، تخصص اللغة العربية، لكن الظروف المادية تمنعني من ذلك".

تطهو العائلة معظم أكلاتها عبر إشعال الحطب (قبل تسلم الغاز)، في حين تحصل على قوت يومها مما ينبت في أراضي الأقرباء، مقومات كثيرة يفتقر لها هذا المنزل، تعيش تحت خط الفقر المدقع وسط غياب الدخل، في حين تنام على حلم أن يتحسن الحال ويصبح هذا المأوى صالحًا للسكن، وتنتهي الحلقة الأخيرة من مسلسل المعاناة اليومي مع مياه الأمطار، تريد أن ترى الجانب الجميل من سقوطها وهي تسمع أصوات زخاتها فقط، دون أن تقتحم المنزل وتحوله إلى بركة مياه.

 

 

المصدر / فلسطين أون لاين